138
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الثالث : الهجوم الشامل على المرتدين
ثانياً: القضاء على فتنة الأسود العنسي وطليحة الأسدي، ومقتل مالك بن نويرة:
1-القضاء على الأسود العنسي وردة اليمن الثانية:
هـ- دورس وعبر وفوائد:
• المرأة بين الهدم والبناء:
وفي حروب الردة باليمن تظهر صورتان مختلفتان للنساء، صورة المراة الطاهرة العفيفة التي تقف مع الاسلام وتحارب الرذيلة، وتقف مع المسلمين لكبح جماح شياطين الأنس والجن فهذه (آزاد) الفارسية زوج شهر بن باذان، وابنة عم فيروز الفارسي تقف مع الصف الاسلامي بكل عزم وتصميم وتدبر مع المسلمين خطة محكمة لاغتيال الأسود العنسي كذاب اليمن، فالمسلم في كل عصر يكبر في آزاد المسلمة غيرتها على دينها وينظر بستهجان الى مامجه قلم الدكتور محمد حسين هيكل عندما تحدث عن موقف آزاد من كذاب اليمن وحاول أن يرجع ماقامت به المرأة المسلمة آزاد الفارسية الى عصبية شهوانية وذلك في قوله عن الأسود: ولما استغلظ أمره وأثخن في الأرض استخف بقيس وبفيروز وجعل يرى في الأخيرين وفي سائر الفرس من تنطوي أضالعهم على المكر به، وعرفت زوجته الفارسية ذلك منه، فثار في عروقها دم قومها، وتحركت في نفسها عوامل الحقد على الكاهن القبيح، قاتل زوجها الشاب الفارسي الذي كانت تحبه من أعماق قلبها ولقد استطاعت بسجيتها النسوية أن تخفي ذلك عنه، وأن تسخوا له في البذل له من أنوثتها سخاءً جعله يركن إليها ويطمع في وفائها( ).
إنه أسلوب فيه لمز بالفارسية المؤمنة آزاد وكأنه يتهمها بالغدر لفارسيتها بالأسود العربي، ويأخذ عليها هذا الصنيع الذي كانت تظهر له فيه مالا تخفي، إنه توجيه للحدث في غير محله( )، وهذه المرأة الصالحة المسلمة قتل الاسود زوجها المسلم وتزوجها غصباً وهي التي وصفت الأسود الكذاب بقولها: والله ماخلق الله شخصاً أبغض إليّ منه، مايقوم لله على حق ولا ينتهي عن محرم( )، وهي التي جعلها الله تعالى سبباً لهلاك الطاغية الأسود العنسي، فلولا الله ثم جهودها الميمونة مااستطاع فيروز وأصحابه قتل الأسود( )، فالذي حركها لذلك العمل العظيم الذي فيه حتفها وموتها، هو حبها لدينها وعقيدتها وإسلامها وبغضها للأسود العنسي الكذاب الذي اراد أن يقضي على الاسلام في اليمن، فهذه صورة مشرقة مضيئة لما قامت به المرأة المسلمة في اليمن من الجهاد من أجل دينها، أما الصورة الكالحة المظلمة التي قامت به بعض بنات اليمن من يهود أو من لف لفهم، في حضرموت فقد طرن فرحاً بموت رسول الله ?ن فأقمن الليالي الحمراء مع المجّان والفساق، يشجعن على الرذيلة، ويزرين بالفضيلة، فقد رقص الشيطان فيها معهنّ وأتباعه طرباً لنكوص الناس عن الاسلام والدعوة الى التمرد عليه وحرب أهله( )، لقد حنت تلك البغايا الى الجاهلية ومافيها من المنكرات وانجذبن إليها إنجذاب الذباب الى أكوام من الأقذار، فقد تعودن على الفاحشة في حياتهن الجاهلية، فلما جاء الإسلام حجزتهن نظافته عنها، فشعرن وكأنهن بسجن ضيق يكدن يختنقن فيه، ولذا ماإن سمعن بموته ? حتى أظهرن الشماتة فخضبن أيديهن بالحناء وقمن يضربن بالدفوف، ويغنين فرحتهن، فقد تحقق لهن ماكنّ يتمنينه على السلطة الجديدة، وكان معظمهن من علية القوم هناك، وبعضهن يهوديات وقد كان لكلا الطرفين: أشراف القوم من العرب، واليهود مصلحة في الانتقاض على مبادئ الاسلام، والانقضاض على كيانه لقد عرفت هذه الحركة في التاريخ بحركة البغايا، وكن نيفاً وعشرين بغياً متفرقات في قرى حضرموت، وأشهرهن هر بنت يامن اليهودية التي ضرب المثل بها في الزنا، فقيل: أزنى من هر، ويذكر التاريخ أن الفساق كانوا يتناوبونها لهذا الغرض في الجاهلية، ولكن هؤلاء السواقط لم يتركن وشأنهن يفسدن في المجتمع كما يحلو لهنّ( )، فقد وصل الخبر الى الصديق وأرسل رجل من أهل اليمن إليه هذه الأبيات:
أبلغ أبابكر إذا ماجئته
أن البغايا رُمنَ أيّ مَرامِ
أظهرن من موت النبي شماتة
وخضبن أيديهن بالعُلاّم( )
فاقطع هُديت كُفَّهن بصارم
كالبرق أومضى من متون غَمامِ( )
فكتب أبوبكر ? الى عامله هناك المهاجر بن أبي أمية كتاباً في منتهى الحزم والصرامة جاء فيه: (فإذا جاءك كتابي هذا فسر إليهن بخيلك ورجلك حتى تقطع أيديهن، فإن دفعك عنهن دافع فاعذر إليه باتخاذ الحجة عليه وأعلمه عظيم مادخل فيها من الإثم والعدوان، فإن رجع فاقبل منه، وإن أبى فنابذه على سواء إن الله لايهدي كيد الخائنين ...) فلما قرأ المهاجر الكتاب جمع خيله ورجله وسار إليهنّ فحال بينه وبينهن رجال من كندة وحضرموت فأعذر إليهم فأبوا إلا قتاله ثم رجع عنه عامتهم فقاتلهم فهزمهم وأخذ النسوة فقطع أيديهن، فمات عامتهن وهاجر بعضهن الى الكوفة( ). لقد نلن جزاءهن في محكمة الاسلام العادلة، إذ أخذهن عامل أبي بكر على تلك البلاد، وطبق عليهن حد الحرابة( ).
ونقلت الأخبار للخليفة في امرأتين من بلاد حضرموت تغنتا بهجاء رسول الله ?، والمسلمين، وكان قد عاقبهما المهاجر بن أبي أمية والي تلك البلاد، بقطع يديهما ونزع ثنيتيهما، فلم يرضى أبابكر وعدها عقوبة خفيفة في حق هاتين المجرمتين وقد وجه إليه كتاباً بهذا الخصوص قال فيه بحق الناعقة بشتم صحاب الرسالة: (بلغني الذي سرت به في المرأة التي تغنت وزمرت بشتيمة رسول الله ?، فلولا ماقد سبقتني فيها لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مستسلم فهو مرتد، أومعاهد فهو محارب غادر( ). وقال في الأخرى: (بلغني انك قاطعت يد امرأة في أن تغنت بهجاء المسلمين ونزعت ثنيتها، فإن كانت ممن تدعي الاسلام، فأدب وتقدمة دون المثلة، وإن كانت ذمية لعمري لما صفحت عنه من الشرك أعظم، ولو كنت تقدمت إليك في مثل هذا لبلغت مكروها فاقبل الدعة، وإياك والمثلة في الناس فإنها مأثم ومنفرة إلا في قصاص( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق