137
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الثالث : الهجوم الشامل على المرتدين
ثانياً: القضاء على فتنة الأسود العنسي وطليحة الأسدي، ومقتل مالك بن نويرة:
1-القضاء على الأسود العنسي وردة اليمن الثانية:
س- جيش المهاجر بن ابي أمية للقضاء على ردة حضرموت وكندة:
كان آخر من خرج من المدينة من الجيوش الأحد عشر جيش المهاجر بن أبي أمية وكان معه سرية من المهاجرين والأنصار، فمر على مكة فانضم إليه (خالد بن أسد) -أخو (عتّاب بن أسد أمير مكة- ومر على الطائف فلحقه عبدالرحمن بن أبي العاص، ومن معه، ولما التقى (بجرير بن عبدالله البجلي بنجران ضمه إليه، ضم عكاشة بن ثورالذي جمع بعض أهل تهامة، ثم دخل في جموعه (فروة بن مسيك المرادي) الذي كان في أطراف بلاد مذحج ومر على بني الحارث بن كعب بنجران فوجد عليهم مسروق العكي فضمه إليه( ).
وفي نجران قسم جيشه الى فرقتين: فرقة تولت القضاء على فلول (الأسود العنسي) المتناثرة بين نجران وصنعاء، وكان المهاجر نفسه على هذه الفرقة، أما الفرقة الأخرى فكان عليها أخوه (عبدالله) وكانت مهمتها تطهير منطقة تهامة اليمن من بقية المرتدين( ).
وحينما استقر المهاجر في صنعاء كتب الى أبي بكر بما قام به وبما استقر عليه وبقى ينتظر الرد منه، وفي الوقت نفسه كتب معاذ بن جبل وبقية عمال اليمن الذين كانوا على عهد رسول الله ? -ماعدا زياد بن لبيد- الى أبي بكر يستأذنونه بالعودة الى المدينة، فجاءت كتب أبي بكر مطلقة حق الاختيار لمعاذ ومن معه من العمال بالبقاء أو العودة والاستخلاف على عمل كل من رجع، فرجعوا جميعاً( )، وأما المهاجر فقد تلقى الأمر بالتوجه لملاقاة عكرمة وأن يسيرا معاً الى حضرموت لمعاونة زياد بن لبيد، وإقراره على ماهو عليه وأمره أن يأذن لمن معه من الذين قاتلوا بين مكة واليمن في العودة إلا أن يؤثر قوم الجهاد( ).
كان زياد بن لبيد الأنصاري والياً لرسول الله على كندة بحضرموت وأقره الصديق ? على ذلك وكان حازماً شديداً وكان لحزمه وشدته سبب كبير في ان يتمرد عليه حارثة بن سراقة. وخلاصة ذلك كما يذكر الكلاعي، أن زياداً أعطى من ضمن الصدقة ناقة معينة لفتى من كندة على سبيل الخطأ، فلما أراد صاحبها استبدالها بأخرى لم يقبل منه ذلك زياد، فاستنجد الفتى بزعيم لهم هو حارثة بن سراقة، وعندما طلب ابن سراقة من زياد استبدال الناقة، أصر زياد على موقفه، فغضب ابن سراقة وأطلق الناقة عنوة، فوقعت الفتنة بين أنصار زياد وأنصار ابن سراقة، ودارت الحرب، وانهزم ابن سراقة، وقتل ملوك كندة الأربعة، وأسر زياد عدداً من جماعة ابن سراقة، واستنجد الأسرى وهم في طريقهم الى المدينة بالأشعث بن قيس، فنجدهم حمية وعبية واتسعت رقعتها وتكاثر جمع الأشعث وحصروا المسلمين( )، فأرسل زياد الى المهاجر وعكرمة يستعجلهما النجدة، وكانا قد التقيا بمأرب فما كان من المهاجر إلا أن ترك (عكرمة) الى الجيش وأخذ أسرع الناس وغالباً من الفرسان -ليكون بجانب زياد، وقد استطاع أن يفك الحصار عنه فهربت كندة الى حصن من حصونها يسمى النجير، وكان لهذا الحصن ثلاث طرق لا رابع لها، فنزل زياد على احدهما والمهاجر على الثانية وبقيت الثالثة تحت تصرف كندة حتى قدم عكرمة فنزل عليها، فحاصروهم من جميع الجهات، ثم بعث (المهاجر) الطلائع الى قبائل كندة والمتفرقة في السهل والجبل يدعوهم الى الاسلام ومن أبى قاتلوه، ولم يبق إلا في الحصن المحاصر( ).
وكان جيشا زياد والمهاجر يزيدان على خمسة آلاف رجل من المهاجرين والأنصار وغيرهم من القبائل، وقد عملا على التضييق على من في الحصن حتى ضجوا بالشكوى الى زعمائهم متبرمين من الجوع وفضلوا الموت بالسيف بدلاً من ذلك، فاتفق زعماؤهم على أن يقوم الأشعث بن قيس بطلب الأمان والنزول على حكم المسلمين( )، وبعد أن فوض الأشعث من قومه لمفاوضة المسلمين لم يوفق لأن الروايات تضافرت على أنه لم يطلب الأمان لجميع من في الحصن، أو أنه لم يصر على ذلك ولم يطلبه إلا لعدد ترواح حسب الروايات بين السبعة والعشرة، وكان الشرط هو فتح أبواب حصن (النُّجَير) وكان من جراء ذلك أن قتل من (كندة) في الحصن سبعمائة قتيل فاشبه موقفهم موقف يهود بني قريظة( ).
وتم القضاء على ردة كندة وعاد عكرمة بن أبي جهل ومعه السبايا والأخماس، وبرفقتهم الأشعث بن قيس، الذي صار مبغضاً الى قومه ولاسيما نساؤهم لأنهم عدوه سبب ذلتهم، ولأنه عندما صالح المسلمين كان أول مابدأ به أسمه، فكانت نساء قومه يسمينه عُرف النار، ومعناه بلغتهم: الغادر( ) ولما قدم الأشعث على أبي بكر، قال: ماذا تراني أصنع بك، فإنك قد فعلت ماعلمت! قال: تمنّ عليّ فتفكني من الحديد وتزوجني أختك، فإني قد راجعت وأسلمت. فقال أبوبكر: قد فعلت فزوجه أم فروة ابنة أبي قحافة، فكان بالمدينة حتى فتح العراق( ) وفي رواية جاء فيها : فلما خشي أن يقع به قال: أو تحتسب في خيراً فتطلق إساري وتقيلني عثرتي، وتقبل إسلامي، وتفعل بي مثل مافعلته بأمثالي وترد علي زوجتي -وقد كان خطب أم فروة بنت أبي قحافة مقدمه على رسول الله ?، فزوجه وأخرها الى أن يقدم الثانية، فمات رسول الله، وفعل الأشعث مافعل، فخشى ألا ترد عليه- تجدني خير أهل بلادي لدين الله ! فتجافي له عن دمه، وقبل منه، ورد عليه أهله، وقال: انطلق فليبلغني عنك خير، وخلى عن القوم فذهبوا، وقسم أبوبكر في الناس الخمس( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق