130
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الثالث : الهجوم الشامل على المرتدين
أولاً: المواجهة الرسمية من الدولة:
2-إرسال الجيوش المنظمة:
لما وصل جيش أسامة بعد شهرين وقيل أربعين يوماً -من مسيرهم واستراحوا خرج أبو بكر الصديق بالصحابة رضي الله عنهم إلى (ذي القَّصَّة) وهي على مرحلة من المدينة، وذلك لقتال المرتدين والمتمردين، فعرض عليه الصحابة أن يبعث غيره على القيادة وأن يرجع إلى المدينة ليتولى إدارة أمور الأمة وألحُّوا عليه بذلك، ومما رُوي في هذا الموضوع ماقالته عائشة: خرج أبي شاهراً سيفه راكبا راحلته إلى وادي ذي القصة، فجاء علي بن أبي طالب ?، فأخذ بزمام راحلته فقال: إلى أين ياخليفة رسول الله؟ أقول لك ماقال رسول الله يوم أحد( )، لُمَّ سيفك ولاتفجعنا بنفسك، فوالله لئن أصبنا بك لايكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع( ) وقد قسم أبو بكر الجيش الإسلامي إلى أحد عشر لواء وجعل على كل لواء أميراً( )، وأمر كل أمير جند باستنفار من مرّ به من المسلمين التابعين من أهل القرى التي يمر بها وهم:
1-جيش خالد بن الوليد إلى بني أسد ثم إلى تميم ثم إلى اليمامة.
2-جيش عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة في بني حنيفة، ثم إلى عمان والمهرة، فحضرموت، فاليمن.
3-جيش شرحبيل بن حسنة إلى اليمامة في إثر عكرمة ثم حضرموت.
4-جيش طريفة بن حاجز إلى بني سليم من هوازن.
5-جيش عمرو بن العاص إلى قضاعة.
6-جيش خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام.
7-جيش العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
8-جيش حذيفة بن محصن الغلفاني إلى عمان.
9-جيش عرفجة بن هرثمة إلى مهرة.
10-جيش المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن (صنعاء ثم حضرموت).
11-جيش سويد بن مقرن إلى تهامة اليمن( ).
وهكذا اتخذت قرية (ذي القصة) مركز انطلاق او قاعدة تحرك للجيوش المنظمة التي ستقوم بالتحرك إلى مواطن الردة للقضاء عليها، وتنبئ خطة الصديق ? عن عبقرية فذة، وخبرة جغرافية دقيقة( )، ومن خلال تقسيم الألوية وتحديد المواقع يتضح أن الصديق ? كان جغرافياً دقيقاً خبيراً بالتضاريس، والتجمعات البشرية، وخطوط مواصلات جزيرة العرب، فكأن الجزيرة العربية صوّرت مجسم واضح نصب عينيه في غرفة عمليات مجهزة بأحدث وسائل التقنية، فمن يتمعَّن تسيير الجيوش ووجهه كلِّ منها، واجتماعها بعد تفرُّقها، وتفرقها لتجتمع ثانية، يرى تغطية سليمة رائعة صحيحة مثالية لجميع أرجاء الجزيرة، مع دقة في الإتصال مع هذه الجيوش، فأبوبكر في كل ساعة يعلم أين مواقع الجيوش ويعلم دقائق أمورها وتحركاتها، وماحققت، وماعليها في غد من واجبات، والمراسلات دقيقة وسريعة، تنقل أخبار الجبهات إلى مقرِّ القيادة في المدينة حيث الصديق وكان على صلة مستمرة مع جيوشه كلها، وبرز من المراسلين العسكريين مابين الجبهات وبين مقرِّ القيادة: أبو خيثمة النَّجَّاري الأنصاري، وسلمة بن سلامة، وأبو برزة الأسلمي، وسلمة بن وقش( ).
وكانت الجيوش التي بعثها الصديق متماسكة وهي إحدى إنجازات الدولة الهامة، إذ جمعت تلك الجيوش بين مهارة القيادة وبراعة التنظيم، فضلاً عن الخبرة في القتال صهرتها الأعمال العسكرية في حركة السرايا والغزوات التي تعدى بعضها شبه الجزيرة في زمن النبي ?، فقد كان الجهاز العسكري لدولة الصديق متفوقاً على كل القوى العسكرية في الجزيرة( )، وكان القائد العام لهذه الجيوش سيف الله المسلول خالد بن الوليد صاحب العبقرية الفذة في حروب الردة، والفتوحات الإسلامية كان هذا التوزيع للجيوش وفق خطة استراتيجية هامة مفادها، أن المرتدين لازالوا متفرقين كلٌّ في بلده ولم يحصل منهم تحزب ضد المسلمين بالنسبة للقبائل الكبيرة المتباعدة في المكان أولاً، لأن الوقت لم يكن كافياً للقيام بعمل كهذا حيث لم يمضي على ارتدادهم إلا مايقرب من ثلاثة شهور، وثانياً لأنهم لم يدركوا خطر المسلمين عليهم وأنهم باستطاعتهم أن يكتسحوهم جميعاً في شهور معدودة، ولذلك أراد الصديق أن يعاجلهم بضربات مفاجئة تقضي على شوكتهم وقوتهم قبل أن يجتمعوا في نصرة باطلهم( )، فعالجهم قبل استفحال فتنتهم ولم يترك لهم فرصة يطلون منها برؤوسهم، ويمدون ألسنتهم يلذعون بها الجسم الإسلامي وبذلك طبق الحكمة القائلة:
لاتقطَعَنْ ذنب الأفعى وترسلها
إن كنت شهماً فاتبع رأسها الذنبا( )
فقد أدرك حجم الحدث وأبعاده، ومدى خطورته، وعلم أنه إن لم يفعل كذلك فسيوشك الجمر أن ينتفض من تحت الرماد فيحرق الأخضر واليابس كما قال الأول:
أرى تحت الرماد وميض نار
ويوشك أن يكون له ضرام( )
فقد كان ? السياسي الماهر والعسكري المحنَّك الذي يقدر الأمور ويضع لها الخطط المباشرة.
انطلقت الألوية التي عقدها الصديق ترفرف عليها أعلام التوحيد مصحوبة بدعوات خالصة من قلوب تعظم المولى عزوجل وتشربت معاني الإيمان ومن حناجر لم تلهج إلا بذكر الله تعالى، فاستجاب الله جل وعلا هذه الدعوات النقية، فأنزل عليهم نصره وأعلى بهم كلمته وحمى بهم دينه حتى دانت جزيرة العرب للإسلام في شهور معدودة( ).
هذا وقد كتب أبو بكر الصديق كتاباً واحداً إلى قبائل العرب من المرتدين والمتمردين، فدعاهم إلى العودة إلى الإسلام وتطبيقه كاملاً كما جاء من عند الله تعالى ثم حذرهم من سوء العاقبة فيما لو ظلوا على ماهم عليه في الدنيا والآخرة، وكان قوياً في إنذارهم، وهذا هو المناسب لشدة انحرافهم وقوة تصلبهم في التمسك بباطلهم، فكان لابد من إنذار شديد يتبعه عمل جرئ قوي لإزالة الطغيان الذي عشَّش في أفكار زعماء تلك القبائل والعصبية العمياء التي سيطرت على أفكار أتباعهم( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق