114
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الأول : جيش أسـامة
ثانياً: ماتمّ بين الصديق والصحابة في أمر إنفاذ الجيش:
اقترح بعض الصحابة على الصديق ? بأن يبقى الجيش فقالوا: إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب كما ترى -قد انتفضت بك فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين( ) وأرسل أسامة من معسكره من الجرف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما إلى أبي بكر يستأذنه أن يرجع بالناس، وقال: إنّ معي وجوه المسلمين وجلتهم، ولاآمن على خليفة رسول الله ?، وحرم رسول الله ?، والمسلمين أن يتخطفهم المشركون( ).
ولكن أبا بكر خالف ذلك وأصرّ على أن تستمر الحملة العسكرية في تحركها إلى الشام مهما كانت الظروف والأحوال والنتائج، ولم يرتاح أسامة وهيئة أركان حربه لإصرار الخليفة على رأيه وقد بذلوا لدى الخليفة عدة محاولات كي يقنعوه بصواب فكرتهم، وعندما كثر الإلحاح على أبي بكر، دعا عامة المهاجرين والأنصار إلى اجتماع في المجلس لمناقشة هذا الأمر معهم، وفي هذا الاجتماع دار نقاش طويل متشعب وكان أشد المعارضين لاستمرار حملة الشام عمر بن الخطاب، مبدياً تخوفه الشديد على الخليفة وحرم رسول الله وكل المدينة وأهلها من أن تقع في قبضة الأعراب المرتدين المشركين، وعندما أكثر وجوه الصحابة بهذا الصدد على الخليفة وخوفوه مما ستتعرض له المدينة من أخطار جسام إن هو أصرّ على تحريك جيش أسامة لغزو الروم أمر بفض الاجتماع الأول( )، بعد أن سمع الصديق لرأيهم واستوضح منهم إن كان لأحدهم مايقول وذلك حتى يعطي إخوانه وأهل الرأي كامل الفرصة لبيان رأيهم( ) أمر بفض الاجتماع الاول ثم دعاهم إلى اجتماع عام آخر في المسجد، وفي هذا الاجتماع طلب من الصحابة أن ينسوا فكرة إلغاء مشروع وضعه رسول الله ? بنفسه وأبلغهم أنه سينفذ هذا المشروع حتى لو تسبب تنفيذه في احتلال المدينة من قبل الأعراب المرتدين، فقد وقف خطيباً وخاطب الصحابة( ) قائلاً: والذي نفس أبي بكر بيده! لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله ?. ولو لم يبقى في القرى غيري لأنفذته( ).
نعم لقد كان أبو بكر مصيباً فيما عزم عليه من بعث أسامة مخالفاً بذلك رأي جميع المسلمين، لأن في ذلك أمراً من رسول الله، وقد أثبتت الأيام والأحداث سلامة رأيه وصواب قراره الذي اعتزم تنفيذه( ).
وطلبت الأنصار رجلاً أقدم سناً من أسامة يتولى أمر الجيش وأرسلوا عمر بن الخطاب ليحدث الصديق في ذلك، فقال عمر ?: فإن الأنصار تطلب رجلاً أقدم سناً من أسامة ? فوثب أبو بكر ? وكان جالساً وأخذ بلحية عمر ? وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله ? وتأمرني أن أعزله( )، فخرج عمر ? إلى الناس فقالوا: ماصنعت؟ فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم! مالقيت في سببكم من خليفة رسول الله ?( ).
ثم خرج أبو بكر الصديق ? حتى أتاهم، فأشخصهم، وشيعهم، وهو ماش راكب، وعبدالرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر رضي الله عنهم، فقال له أسامة ?: ياخليفة رسول الله ?: والله لتركبن أو لأنزلن. فقال: والله لاتنزل، ووالله لاأركب. وماعلي أن أغبر قدميَّ في سبيل الله( ).
ثم قال الصديق ? لأسامة ?: إن رأيت تعينني بعمر ? فافعل، فأذن له( ). ثم توجه الصديق ? إلى الجيش فقال: يا أيها الناس! قفوا أوصيكم بعشر، فاحفظوها عني:
لاتخونوا ولاتغلوا، ولاتغدروا ولاتمثلوا( )، ولاتقطعوا شجرة مثمرة، ولاتذبحوا شاة ولابقرة ولابعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم ومافرّغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منه شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها. وتلقون أقواماً قد فحصوا( ) أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب، فأخفقوهم( ) بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم الله( ) وأوصى الصديق أسامة رضي الله عنهما أن يفعل ما أمر به النبي الكريم ? قائلاً: اصنع ماأمرك به نبي الله ?، ابدأ ببلاد قضاعة، ثم إيت آبل( )، ولاتقصرن في شيء من أمر رسول الله ? ولاتعجلنَّ لما خلَّفت عن عهده( )، ومضى أسامة ? بجيشه، وانتهى إلى ما أمر به النبي ? من بث الخيول في قبائل قضاعة، والغارة على آبل، فسَلِم وغنم( )، وكان مسيره ذاهباً وقافلاً أربعين يوماً( ).
وقدم بنعي رسول الله على هِرَقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً، فقالت الروم: مابال هؤلاء يموت صاحبهم ثم أغاروا على أرضنا( )، وقال العرب: لو لم يكن لهم قوة لما أرسلوا هذا الجيش( )، فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق