إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 4 أبريل 2015

1576 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع ثم دخلت سنة تسع وتسعين


1576

البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع

 ثم دخلت سنة تسع وتسعين

وقال ابن أبي الدنيا، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، قال‏:‏ كان عمر بن عبد العزيز في سفر مع سليمان بن عبد الملك فأصابهم السماء برعد وبرق وظلمة وريح شديدة، حتى فزعوا لذلك، وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك، فقال له سليمان‏:‏ ما يضحكك يا عمر‏؟‏ أما ترى ما نحن فيه‏؟‏ فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين هذه آثار رحمته فيها شدائد ما نرى، فكيف بآثار سخطه وغضبه‏؟‏

ومن كلامه الحسن رحمه الله قوله‏:‏ الصمت منام العقل والنطق يقظته، ولا يتم هذا إلا بهذا‏.‏

ودخل عليه رجل فكلمه فأعجبه منطقه ثم فتشه فلم يحمد عقله، فقال‏:‏ فضل منطق الرجل على عقله خدعه، وفضل عقله على منطقه هجنة، وخير ذلك ما أشبه بعضه بعضاً‏.‏

وقال‏:‏ العاقل أحرص على إقامة لسانه منه على طلب معاشه‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ إن من تكلم فأحسن قادر على أن يسكت فيحسن، وليس كل من سكت فأحسن قادراً على أن يتكلم فيحسن‏.‏

ومن شعره يتسلى عن صديق له مات فقال‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/204‏)‏

وهون وجدي في شراحيل أنني * متى شئت لاقيت امرءاً مات صاحبه

ومن شعره أيضاً‏:‏

ومن شيمي ألا أفارق صاحبي * وإن ملني إلا سألت له رشدا

وإن دام لي بالواد دمت ولم أكن * كآخر لا يرعى ذماماً ولا عهدا

وسمع سليمان ليلة صوت غناء في معسكره فلم يزل يفحص حتى أتى بهم، فقال سليمان‏:‏ إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الجمل ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينب فتستخذى له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له المرأة، ثم أمر بهم فقال‏:‏ اخصوهم، فيقال إن عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنها مثلة، ولكن انفهم، فنفاهم‏.‏ وفي رواية أنه خصى أحدهم، ثم سأل عن أصل الغناء فقيل‏:‏ إنه بالمدينة فكتب إلى عامله بها وهو أبو بكر بن محمد بن حزم يأمره أن يخصي من عنده من المغنين المخنثين‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ دخل أعرابي على سليمان فدعاه إلى أكل الفالوذج وقال له‏:‏ إن أكلها يزيد في الدماغ فقال‏:‏ لو كان هذا صحيحاً لكان ينبغي أن يكون رأس أمير المؤمنين مثل رأس البغل‏.‏

وذكروا أن سليمان كان نهما في الأكل، وقد نقلوا عنه أشياء في ذلك غريبة، فمن ذلك أنه اصطبح في بعض الأيام بأربعين دجاجة مشوية، وأربع وثمانين كلوة بشحمها، وثمانين جردقة، ثم أكل مع الناس على العادة في السماط العام‏.‏

ودخل ذات يوم بستاناً له وكان قد أمر قيمه أن يجثى ثماره، فدخله ومعه أصحابه فأكل القوم حتى ملوا، واستمر هو يأكل أكلا ذريعاً من تلك الفواكه، ثم استدعى بشاة مشوية فأكلها ثم اقبل على أكل الفاكهة، ثم أتي بدجاجتين فأكلهما، ثم عاد إلى الفاكهة فأكل منها، ثم أتي بقعب يقعد فيه الرجل مملوءاً سويقاً وسمناً وسكراً فأكله، ثم عاد إلى دار الخلافة، وأتي بالسماط فما فقدوا من أكله شيئاً‏.‏

وقد روى أنه عرضت له حمى عقب هذا الأكل أدته إلى الموت، وقد قيل أن سبب مرضه كان من أكل أربعمائة بيضة وسلتين تيناً، فالله أعلم‏.‏

وذكر الفضل بن أبي المهلب أنه لبس في يوم جمعة حلة صفراء ثم نزعها ولبس بدلها حلة خضراء و اعتم بعمامة خضراء وجلس على فراش أخضر وقد بسط ما حوله بالخضرة، ثم نظر في المرآة فأعجبه حسنه، فشمر عن ذراعيه و قال‏:‏ أنا الخليفة الشاب، وقيل‏:‏ إنه كان ينظر في المرآة من فرقه إلى قدمه و يقول‏:‏ أنا الملك الشاب، وفي رواية أنه كان ينظر فيها ويقول‏:‏ كان محمد نبياً، و كان أبو بكر صديقاً، وكان عمر فاروقاً، وكان عثمان حيياً، وكان علي شجاعاً، وكان معاوية حليماً، وكان يزيد صبوراً، وكان عبد الملك سائساً، وكان الوليد جبارا ً، وأنا الملك الشاب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/205‏)‏

قالوا‏:‏ فما حال عليه بعد ذلك شهر، وفي رواية جمعة، حتى مات‏.‏

قالوا‏:‏ ولما حم شرع يتوضأ فدعا بجارية فصبت عليه ماء الوضوء ثم أنشدته‏:‏

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير أن لا بقاء للإنسان

أنت خلوٌ من العيوب ومما * يكره الناس غير أنك فان

قالوا‏:‏ صاح بها، وقال‏:‏ عزتني في نفسي، ثم أمر خاله الوليد بن العباس القعقاع العنسي أن يصب عليه وقال‏:‏

قرب وضوءك يا وليد فإنما * دنياك هذي بلغة ومتاع

فاعمل لنفسك في حياتك صالحاً * فالدهر فيه فرقة وجماع

ويروى أن الجارية لما جاءته بالطست جعلت تضطرب من الحمى، فقال‏:‏ أين فلانة‏؟‏ فقالت‏:‏ محمومة، قال‏:‏ ففلانة‏؟‏ قالت‏:‏ محمومة، وكان بمرج دابق من أرض قنسرين، فأمر خاله فوضأه ثم خرج يصلي بالناس فأخذته بحة في الخطبة، ثم نزل وقد أصابته الحمى فمات في الجمعة المقبلة، ويقال‏:‏ إنه أصابه ذات الجنب فمات بها رحمه الله‏.‏

وكان قد أقسم أنه لا يبرح بمرج دابق حتى يرجع إليه الخبر بفتح القسطنطينية، أو يموت قبل ذلك، فمات قبل ذلك رحمه الله وأكرم مثواه، قالوا‏:‏ وجعل يلهج في مرضه ويقول‏:‏

إن بنيَّ صغار * أفلح من كان له كبار

فيقول له عمر بن عبد العزيز‏:‏ قد أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين، ثم يقول‏:‏

إن بنيَّ صبية صيفيون * قد أفلح من كان له ربعيون

ويروى أن هذا آخر ما تكلم به، والصحيح أن آخر ما تكلم به أن قال‏:‏ أسألك منقلباً كريماً، ثم قضى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/206‏)‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق