إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 4 أبريل 2015

1577 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع ثم دخلت سنة تسع وتسعين



1577


البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع

 ثم دخلت سنة تسع وتسعين

وروى ابن جرير عن رجاء بن حيوة - وكان وزير صدق لبني أمية - قال‏:‏ استشارني سليمان بن عبد الملك وهو مريض أن يولي له ابناً صغيراً لم يبلغ الحلم، فقلت‏:‏ إن مما يحفظ الخليفة في قبره أن يولي على المسلمين الرجل الصالح، ثم شاورني في ولاية ابنه داود، فقلت‏:‏ إنه غائب عنك بالقسطنطينية ولا تدري أحي هو أو ميت، فقال‏:‏ من ترى‏؟‏ فقلت‏:‏ رأيك يا أمير المؤمنين، قال‏:‏ فكيف ترى في عمر بن عبد العزيز‏؟‏ فقلت‏:‏ أعلمه والله خيراً فاضلاً مسلماً يحب الخير وأهله، ولكن أتخوف عليه إخوتك أن لا يرضوا بذلك، فقال‏:‏ هو والله على ذلك وأشار رجال أن يجعل يزيد بن عبد الملك ولي العهد من بعد عمر بن عبد العزيز ليرضى بذلك بنو مروان، فكتب‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز، إني قد وليته الخلافة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم عدوكم‏.‏

وختم الكتاب وأرسل إلى كعب بن حامد العبسي صاحب الشرطة، فقال له‏:‏ اجمع أهل بيتي فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوماً، فمن أبى منهم ضرب عنقه‏.‏ فاجتمعوا ودخل رجال منهم فسلموا على أمير المؤمنين، فقال لهم‏:‏ هذا الكتاب عهدي إليكم، فاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا من وليت فيه، فبايعوا لذلك رجلاً رجلاً، قال رجاء‏:‏ فلما تفرقوا جاءني عمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ أنشدك الله وحرمتي ومودتي إلا أعلمتني إن كان كتب لي ذلك حتى أستعفيه الآن قبل أن يأتي حال لا أقدر فيها على ما أقدر عليه الساعة، فقلت‏:‏ والله لا أخبرك حرفاً واحداً‏.‏ قال‏:‏ ولقيه هشام بن عبد الملك فقال‏:‏ يا رجاء إن لي بك حرمة ومودة قديمة، فأخبرني هذا الأمر إن كان إلي علمت، وإن كان لغيري فما مثلي قصر به عن هذا، فقلت‏:‏ والله لا أخبرك حرفاً واحداً مما أسره إلي أمير المؤمنين، قال رجاء‏:‏ ودخلت على سليمان فإذا هو يموت، فجعلت إذا أخذته السكرة من سكرات الموت أحرفه إلى القبلة، فإذا أفاق يقول‏:‏ لم يأن لذلك بعد يا رجاء، فلما كانت الثالثة قال‏:‏ من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئاً أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال‏:‏ فحرفته إلى القبلة فمات رحمه الله‏.‏ قال‏:‏ فغطيته بقطيغة خضراء وأغلقت الباب عليه وأرسلت إلى كعب بن حامد فجمع الناس في مسجد دابق، فقلت‏:‏ بايعوا لمن في هذا الكتاب، فقالوا‏:‏ قد بايعنا، فقلت‏:‏ بايعوا ثانية، ففعلوا، ثم قلت‏:‏ قوموا إلى صاحبكم فقد مات، وقرأت الكتاب عليهم، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز تغيرت وجوه بني مروان، فلما قرأت وإن هشام بن عبد الملك بعده، تراجعوا بعض الشيء‏.‏ ونادى هشام لا نبايعه أبداً، فقلت‏:‏ أضرب عنقك والله، قم فبايع، ونهض الناس إلى عمر بن عبد العزيز وهو في مؤخر المسجد، فلما تحقق ذلك قال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/207‏)‏ ولم تحمله رجلاه حتى أخذوا بضبعية فأصعدوه على المنبر، فسكت حيناً، فقال رجاء بن حيوة‏:‏ ألا تقوموا إلى أمير المؤمنين فتبايعوه، فنهض القوم فبايعوه، ثم أتى هشام فصعد المنبر ليبايع وهو يقول‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال عمر‏:‏ نعم ‏!‏ إنا لله وإنا إليه راجعون الذي صرت أنا وأنت نتنازع هذا الأمر‏.‏

ثم قام فخطب الناس خطبة بليغة وبايعوه، فكان مما قال في خطبته‏:‏ أيها الناس، إني لست بمبتدع ولكني متبع، وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوالٍ، ثم نزل، فأخذوا في جهاز سليمان، قال الأوزاعي‏:‏ فلم يفرغوا منه حتى دخل وقت المغرب، فصلى عمر بالناس صلاة المغرب، ثم صلى على سليمان ودفن بعد المغرب، فلما انصرف عمر أُتي بمراكب الخلافة فأبى أن يركبها وركب دابته وانصرف مع الناس حتى أتوا دمشق، فمالوا به نحو دار الخلافة فقال‏:‏ لا أنزل إلا في منزلي حتى تفرغ دار أبي أيوب، فاستحسنوا ذلك منه، ثم استدعى بالكاتب فجعل يملي عليه نسخة الكتاب الذي يبايع عليه الأمصار، قال رجاء‏:‏ فما رأيت أفصح منه‏.‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ وكان وفاة سليمان بن عبد الملك بدابق من أرض قنسرين يوم الجمعة لعشر ليال خلت من صفر سنة تسع وتسعين، على رأس سنتين وتسعة أشهر وعشرين يوماً من متوفى الوليد، وكذا قال الجمهور في تاريخ وفاته، ومنهم من يقول‏:‏ لعشر بقين من صفر، وقالوا‏:‏ كانت ولايته سنتين وثمانية أشهر، زاد بعضهم إلا خمسة أيام، والله أعلم‏.‏

وقول الحاكم أبي أحمد‏:‏ إنه توفي يوم الجمعة لثلاث عشر بقين من رمضان سنة تسع وتسعين، حكاه ابن عساكر، وهو غريب جداً، وقد خالفه الجمهور في كل ما قاله، وعندهم أنه جاوز الأربعين فقيل‏:‏ بثلاث، وقيل‏:‏ بخمس، والله أعلم‏.‏

قالوا‏:‏ وكان طويلاً جميلاً أبيض نحيفاً، حسن الوجه، مقرون الحاجبين، وكان فصيحاً بليغاً، يحسن العربية ويرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله، واتباع القرآن والسنة، وإظهار الشرائع الإسلامية رحمه الله، وقد كان رحمه الله آلى على نفسه حين خرج من دمشق إلى مرج دابق - ودابق قريبة من بلاد حلب - لما جهز الجيوش إلى مدينة الروم العظمى المسماة بالقسطنطينية، أن لا يرجع إلى دمشق حتى تفتح أو يموت، فمات هنالك كما ذكرنا، فحصل له بهذه النية أجر الرباط في سبيل الله، فهو إن شاء الله ممن يجرى له ثوابه إلى يوم القيامة رحمه الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/208‏)‏

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة شراحيل بن عبيدة بن قيس العقيلي ما مضمونه‏:‏ إن مسلمة ابن عبد الملك لما ضيق بمحاصرته على أهل القسطنطينية، وتتبع المسالك واستحوذ على ما هنالك من الممالك، كتب إليون ملك الروم إلى ملك البرجان يستنصره على مسلمة، ويقول له‏:‏ ليس لهم همة إلا في الدعوة إلى دينهم، الأقرب منهم فالأقرب، وإنهم متى فرغوا مني خلصوا إليك، فمهما كنت صانعاً حينئذ فاصنعه الآن، فعند ذلك شرع لعنه الله في المكر والخديعة، فكتب إلى مسلمة يقول له‏:‏ إن إليون كتب إليّ يستنصرني عليك، وأنا معك فمرني لما شئت‏.‏ فكتب إليه مسلمة‏:‏ إني لا أريد منك رجالاً ولا عدداً، ولكن أرسل إلينا بالميرة فقد قلَّ ما عندنا من الأزواد‏.‏ فكتب إليه‏:‏ إني قد أرسلت إليك بسوق عظيمة إلى مكان كذا وكذا، فأرسل من يتسلمها ويشتري منها‏.‏ فأذن مسلمة لمن شاء من الجيش أن يذهب إلى هناك فيشتري له ما يحتاج إليه، فذهب خلق كثير فوجدوا هنالك سوقاً هائلةً، فيها من أنواع البضائع الأمتعة والأطعمة، فأقبلوا يشترون، واشتغلوا بذلك، ولا يشعرون بما أرصد لهم الخبيث من الكمائن بين تلك الجبال التي هنالك، فخرجوا عليهم بغتة واحدة فقتلوا خلقاً كثيراً من المسلمين وأسروا آخرين، وما رجع إلى مسلمة إلا القليل منهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فكتب مسلمة بذلك إلى أخيه سليمان يخبره بما وقع من ذلك، فأرسل جيشاً كثيفاً صحبة شراحيل بن عبيدة هذا، وأمرهم أن يعبروا خليج القسطنطينية أولاً فيقاتلوا ملك البرجان، ثم يعودوا إلى مسلمة، فذهبوا إلى بلاد البرجان وقطعوا إليهم تلك الخلجان، فاقتتلوا معهم قتالاً شديداً، فهزمهم المسلمون بإذن الله، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وسبوا وأسروا خلقاً كثيراً، وخلصوا أسرى المسلمين، ثم تحيزوا إلى مسلمة فكانوا عنده حتى استقدم الجميع عمر بن عبد العزيز خوفاً عليهم من غائلة الروم وبلادهم، ومن ضيق العيش، وقد كان لهم قبل ذلك مدة طويلة أثابهم الله‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق