إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 3 أبريل 2015

1550 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع


1550

البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع
 

 فصل فيما رُوي عنه من الكلمات النافعة والجراءة البالغة
وقال أبو قاسم البغوي‏:‏ ثنا أبو سعيد، ثنا أبو أسامة، قال‏:‏ قال رجل لسفيان الثوري‏:‏ أتشهد على الحجاج وعلى أبي مسلم الخراساني أنهما في النار‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏!‏ إن أقرَّا بالتوحيد‏.‏

وقال الرياشي‏:‏ حدثنا عباس الأزرق، عن السري بن يحيى، قال‏:‏ مر الحجاج في يوم جمعة فسمع استغاثة، فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقيل‏:‏ أهل السجون يقولون‏:‏ قتلنا الحر، فقال‏:‏ قولوا لهم‏:‏ اخسؤوا فيها ولا تكلمون‏.‏ قال‏:‏ فما عاش بعد ذلك إلا أقل من جمعة حتى قصمه الله قاصم كل جبار‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ رأيته وهو يأتي الجمعة وقد كاد يهلك من العلة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/158‏)‏

وقال الأصمعي‏:‏ لما مرض الحجاج أرجف الناس بموته، فقال في خطبته‏:‏ إن طائفة من أهل الشقاق والنفاق نزغ الشيطان بينهم فقالوا‏:‏ مات الحجاج، ومات الحجاج، فمَهْ ‏؟‏‏!‏ فهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت‏؟‏ والله ما يسرني أن لا أموت وأن لي الدنيا وما فيها، وما رأيت الله رضي التخليد إلا لأهون خلقه عليه إبليس‏.‏

قال الله له‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 15‏]‏، فأنظره إلى يوم الدين‏.‏

ولقد دعا الله العبد الصالح فقال‏:‏ ‏{‏وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 35‏]‏، فأعطاه الله ذلك إلا البقاء‏.‏

ولقد طلب العبد الصالح الموت بعد أن تم له أمره، فقال‏:‏ ‏{‏تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 101‏]‏، فما عسى أن يكون أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل‏.‏

كأني والله بكل حي منكم ميتاً، وبكل رطب يابساً، ثم نقل في أثياب أكفانه ثلاثة أذرع طولاً، في ذراع عرضاً، فأكلت الأرض لحمه، ومصت صديده، وانصرف الخبيث من ولده يقسم الخبيث من ماله، إن الذين يعقلون يعقلون ما أقول، ثم نزل‏.‏

وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني‏:‏ عن أبيه، عن جده، عن عمر بن عبد العزيز، أنه قال‏:‏ ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على حبه القرآن، وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة‏:‏ اللهم اغفر لي، فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا‏:‏ حدثنا علي بن الجعد، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن محمد بن المنكدر‏.‏ قال‏:‏ كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج، فنفس عليه بكلمة قالها عند الموت‏:‏ اللهم اغفر لي فإنهم يزعمون أنك لا تفعل‏.‏

قال‏:‏ وحدثني بعض أهل العلم قال‏:‏ قيل للحسن‏:‏ إن الحجاج قال عند الموت كذا وكذا، قال‏:‏ قالها‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم ‏!‏ قال‏:‏ فما عسى‏.‏

وقال أبو العباس المري، عن الرياشي، عن الأصمعي، قال‏:‏ لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول‏:‏

يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا * بأنني رجل من ساكني النار

أيحلفون على عمياء ويحهم * ما علمهم بعظيم العفو غفار

قال‏:‏ فأخبر بذلك الحسن، فقال‏:‏ بالله إن نجا لينجون بهما‏.‏

وزاد بعضهم في ذلك‏:‏

إن الموالي إذا شابت عبيدهم * في رقهم عتقوهم عتق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً * قد شبت في الرق فاعتقني من النار

وقال ابن أبي الدنيا‏:‏ ثنا أحمد بن عبد الله التيمي، قال‏:‏ لما مات الحجاج لم يعلم أحد بموته، حتى أشرفت جارية فبكت، فقالت‏:‏ ألا إن مطعم الطعام، وميتم الأيتام، ومرمل النساء، ومفلق الهام، وسيد أهل الشام قد مات، ثم أنشأت تقول‏:‏

اليوم يرحمنا من كان يبغضنا * واليوم يأمننا من كان يخشانا ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/159‏)‏

وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، أنه أخبر بموت الحجاج مراراً، فلما تحقق وفاته قال‏:‏ ‏{‏فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 45‏]‏‏.‏

وروى غير واحد‏:‏ أن الحسن لما بشر بموت الحجاج سجد شكراً لله تعالى، وكان مختفياً فظهر، وقال‏:‏ اللهم أمتَّه فأذهب عنا سنته‏.‏

وقال حماد بن أبي سليمان‏:‏ لما أخبرت إبراهيم النخعي بموت الحجاج بكى من الفرح‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة‏:‏ ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال‏:‏ قال زياد بن الربيع بن الحارث لأهل السجن‏:‏ يموت الحجاج في مرضه هذا في ليلة كذا وكذا، فلما كانت تلك الليلة لم ينم أهل السجن فرحاً، جلسوا ينظرون حتى يسمعوا الناعية، وذلك ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان‏.‏

وقيل‏:‏ كان ذلك لخمس بقين من رمضان، وقيل‏:‏ في شوال من هذه السنة، وكان عمره إذ ذاك خمساً وخمسين سنة، لأن مولده كان عام الجماعة سنة أربعين، وقيل‏:‏ بعدها بسنة، وقيل‏:‏ قبلها بسنة‏.‏

مات بواسط، وعفى قبره، وأجرى عليه الماء لكيلا ينبش ويحرق، والله أعلم‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ ما كان أعجب حال الحجاج، ما ترك إلا ثلاثمائة درهم‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد، حدثني عبد الرحمن بن عبيد الله بن فرق، ثنا عمي، قال‏:‏ زعموا أن الحجاج لما مات لم يترك إلا ثلاثمائة درهم، ومصحفاً وسيفاً وسرجاً ورحلاً ومائة درع موقوفة‏.‏

وقال شهاب بن خراش‏:‏ حدثني عمي يزيد بن حوشب قال‏:‏ بعث إلى أبو جعفر المنصور، فقال‏:‏ حدثني بوصية الحجاج بن يوسف، فقال‏:‏ اعفني يا أمير المؤمنين، فقال‏:‏ حدثني بها، فقلت‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك، عليها يحيى، وعليها يموت، وعليها يبعث، وأوصى بتسعمائة درع حديد، ستمائة منها لمنافقي أهل العراق يغزون بها، وثلاثمائة للترك‏.‏ قال‏:‏ فرفع أبو جعفر رأسه إلى أبي العباس الطوسي - وكان قائماً على رأسه - فقال‏:‏ هذه والله الشيعة لا شيعتكم‏.‏

وقال الأصمعي، عن أبيه، قال‏:‏ رأيت الحجاج في المنام، فقلت‏:‏ ما فعل الله بك‏؟‏ فقال‏:‏ قتلني بكل قتلة قتلت بها إنساناً، قال‏:‏ ثم رأيته بعد الحول، فقلت‏:‏ يا أبا محمد ما صنع الله بك‏؟‏ فقال‏:‏ يا ماص بظر أمه أما سألت عن هذا عام أول‏؟‏

وقال القاضي أبو يوسف‏:‏ كنت عند الرشيد فدخل عليه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين رأيت الحجاج البارحة في النوم، قال‏:‏ في أي زي رأيته‏؟‏ قال‏:‏ في زي قبيح، فقلت‏:‏ ما فعل الله بك‏؟‏ فقال‏:‏ ما أنت وذاك يا ماص بظر أمه ‏!‏ فقال هارون‏:‏ صدق والله، أنت رأيت الحجاج حقاً، ما كان أبو محمد ليدع صرامته حياً وميتاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/160‏)‏

وقال حنبل بن إسحاق‏:‏ ثنا هارون بن معروف، ثنا ضمرة بن أبي شوذب، عن أشعث الخراز‏.‏ قال‏:‏ رأيت الحجاج في المنام في حالة سيئة، فقلت‏:‏ يا أبا محمد ما صنع بك ربك‏؟‏ قال‏:‏ ما قتلت أحداً قتلة إلا قتلني بها‏.‏ قال‏:‏ ثم أمر بي إلى النار، قلت‏:‏ ثم مه‏؟‏ قال‏:‏ ثم أرجو ما يرجوا أهل لا إله إلا الله‏.‏

قال‏:‏ وكان ابن سيرين يقول‏:‏ إني لأرجو له، فبلغ ذلك الحسن فقال‏:‏ أما والله ليخلفن الله رجاءه فيه‏.‏

وقال أحمد بن أبي الحواري‏:‏ سمعت أبا سليمان الداراني يقول‏:‏ كان الحسن البصري لا يجلس مجلساً إلا ذكر فيه الحجاج فدعا عليه، قال‏:‏ فرآه في منامه، فقال له‏:‏ أنت الحجاج‏؟‏ قال‏:‏ أنا الحجاج، قال‏:‏ ما فعل الله بك‏؟‏ قال‏:‏ قتلت بكل قتيل قتلته، ثم عزلت مع الموحدين‏.‏ قال‏:‏ فأمسك الحسن بعد ذلك عن شتمه، والله أعلم‏.‏

وقال ابن أبي الدنيا‏:‏ حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، أنبأ ابن المبارك، أنبأنا سفيان‏.‏ قال‏:‏ قدم الحجاج على عبد الملك بن مروان وافداً ومعه معاوية بن قرة، فسأل عبد الملك معاوية عن الحجاج فقال‏:‏ إن صدقناكم قتلتمونا، وإن كذبناكم خشينا الله عز وجل، فنظر إليه الحجاج فقال له عبد الملك‏:‏ لا تعرض له، فنفاه إلى السند فكان له بها مواقف‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق