1549
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع
فصل فيما رُوي عنه من الكلمات النافعة والجراءة البالغة
وهذا رواه البخاري عن محمد بن يوسف، عن سفيان وهو الثوري، عن الزبير بن عدي، عن أنس قال: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه. الحديث.
قلت: ومن الناس من يروي هذا الحديث بالمعنى فيقول: كل عام ترذلون. وهذا اللفظ لا أصل له، وإنما هو مأخوذ من معنى هذا الحديث، والله أعلم.
قلت: قد مر بي مرة من كلام عائشة مرفوعاً وموقوفاً: كل يوم ترذلون.
ورأيت للإمام أحمد كلاماً قال فيه: وروي في الحديث كل يوم ترذلون نسماً خبيثاً.
فيحتمل هذا أنه وقع للإمام أحمد مرفوعاً، ومثل أحمد لا يقول هذا إلا عن أصل.
وقد روي عن الحسن مثل ذلك، والله أعلم.
فدل على أن له أصلاً إما مرفوعاً وإما من كلام السلف، لم يزل يتناوله الناس قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، حتى وصل إلى هذه الأزمان، وهو موجود في كل يوم، بل في كل ساعة تفوح رائحته، ولا سيما من بعد فتنة تمرلناك، وإلى الآن نجد الرذالة في كل شيء، وهذا ظاهر لمن تأمله، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد قال سفيان الثوري: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: يأتي على الناس زمان يصلّون فيه على الحجاج.
وقال أبو نعيم: عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر. قال: قال الشعبي: والله لئن بقيتم لتمنون الحجاج.
وقال الأصمعي: قيل للحسن: إنك تقول: الآخر شر من الأول، وهذا عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج. فقال الحسن: لا بد للناس من تنفيسات.
وقال ميمون بن مهران: بعث الحجاج إلى الحسن وقد هم به، فلما قام بين يديه قال: يا حجاج كم بينك وبين آدم من أب؟ قال: كثير، قال: فأين هم؟ قال: ماتوا. قال: فنكس الحجاج رأسه وخرج الحسن.
وقال أيوب السختياني: إن الحجاج أراد قتل الحسن مراراً فعصمه الله منه، وقد ذكر له معه مناظرات، على أن الحسن لم يكن ممن يرى الخروج عليه، وكان ينهى أصحاب ابن الأشعث عن ذلك، وإنما خرج معهم مكرهاً كما قدمنا، وكان الحسن يقول: إنما هو نقمة فلا نقابل نقمة الله بالسيف، وعليكم بالصبر والسكينة والتضرع. (ج/ص: 9/156)
وقال ابن دريد: عن الحسن بن الحضر، عن ابن عائشة. قال: أتى الوليد بن عبد الملك رجل من الخوارج، فقيل له: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيراً، قال: فعثمان؟ فأثنى خيراً، قيل له: فما تقول في علي؟ فأثنى خيراً، فذكر له الخلفاء واحداً بعد واحد، فيثني على كل بما يناسبه، حتى قيل له: فما تقول في عبد الملك بن مروان؟ فقال: الآن جاءت المسألة، ما أقول في رجل الحجاج خطيئة من بعض خطاياه؟
وقال الأصمعي: عن علي بن مسلم الباهلي، قال: أتي الحجاج بامرأة من الخوارج فجعل يكلمها وهي لا تنظر إليه ولا ترد عليه كلاماً، فقال لها بعض الشرط: يكلمك الأمير وأنت معرضة عنه؟ فقالت: إني لأستحي من الله أن أنظر إلى من لا ينظر الله إليه، فأمر بها فقتلت.
وقد ذكرنا في سنة أربع وتسعين كيفية مقتل الحجاج لسعيد بن جبير، وما دار بينهما من الكلام والمراجعة.
وقد قال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا أبو ظفر، ثنا جعفر بن سليمان، عن بسطام بن مسلم، عن قتادة، قال: قيل لسعيد بن جبير: خرجت على الحجاج؟ قال: إني والله ما خرجت عليه حتى كفر.
ويقال: إنه لم يقتل بعده إلا رجلاً واحداً اسمه ماهان، وكان قد قتل قبله خلقاً كثيراً، أكثرهم ممن خرج مع ابن الأشعث.
وقال أبو عيسى الترمذي: ثنا أبو داود سليمان بن مسلم البلخي، ثنا النضر بن شميل، عن هشام بن حسان، قال: أحصوا ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألفاً.
قال الأصمعي: ثنا أبو عاصم، عن عباد بن كثير، عن قحدم، قال: أطلق سليمان بن عبد الملك في غداة واحدة أحداً وثمانين ألف أسير كانوا في سجن الحجاج، وقيل: إنه لبث في سجنه ثمانون ألفاً، منهم ثلاثون ألف امرأة، وعرضت السجون بعد الحجاج فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفاً، لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب، وكان فيمن حبس أعرابي وجد يبول في أصل ربض مدينة واسط، وكان فيمن أطلق فأنشأ يقول:
إذا نحن جاوزنا مدينة واسط * خرينا وصلينا بغير حساب
وقد كان الحجاج مع هذا العنف الشديد لا يستخرج من خراج العراق كبير أمر.
قال ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي: ثنا سليمان بن أبي سنح، ثنا صالح بن سليمان، قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو تخابثت الأمم فجاءت كل أمة بخبيثها، وجئنا بالحجاج لغلبناهم، وما كان الحجاج يصلح لدنيا ولا لآخرة، لقد ولي العراق وهو أوفر ما يكون في العمارة، فأخسَّ به إلى أن صيره إلى أربعين ألف ألف، ولقد أدى إلى عمالي في عامي هذا ثمانين ألف ألف، وإن بقيت إلى قابل رجوت أن يؤدي إلي ما أدى إلى عمر بن الخطاب مائة ألف ألف وعشرة آلاف ألف.
وقال أبو بكر بن المقري: ثنا أبو عروبة، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا أبي، سمعت جدي، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة: بلغني أنك تستن بسنن الحجاج، فلا تستن بسننه، فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها، ويأخذ الزكاة من غير حقها، وكان لما سوى ذلك أضيع.
(ج/ص: 9/157)
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا سعيد بن أسد، ثنا ضمرة، عن الريان بن مسلم. قال: بعث عمر بن عبد العزيز بآل بيت أبي عقيل - أهل بيت الحجاج - إلى صاحب اليمن وكتب إليه: أما بعد فإني قد بعثت بآل أبي عقيل وهم شر بيت في العمل، ففرقهم في العمل على قدر هوانهم على الله وعلينا، وعليك السلام. وإنما نفاهم.
وقال الأوزاعي: سمعت القاسم بن مخيمرة، يقول: كان الحجاج ينقض عرى الإسلام، وذكر حكاية.
وقال أبو بكر بن عياش: عن عاصم: لم يبق لله حرمة إلا ارتكبها الحجاج بن يوسف.
وقال يحيى بن عيسى الرملي: عن الأعمش: اختلفوا في الحجاج فسألوا مجاهداً فقال: تسألون عن الشيخ الكافر.
وروى ابن عساكر، عن الشعبي، أنه قال: الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت، كافر بالله العظيم، كذا قال، والله أعلم.
وقال الثوري: عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: عجباً لإخواننا من أهل العراق، يسمون الحجاج مؤمناً ؟!
وقال الثوري: عن ابن عوف، سمعت أبا وائل يسأل عن الحجاج: أتشهد أنه من أهل النار؟ قال: أتأمروني أن أشهد على الله العظيم؟
وقال الثوري: عن منصور: سألت إبراهيم عن الحجاج أو بعض الجبابرة فقال: أليس الله يقول: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18].
وبه قال إبراهيم: وكفى بالرجل عمىً أن يعمى عن أمر الحجاج.
وقال سلام بن أبي مطيع: لأنا بالحجاج أرجى مني لعمرو بن عبيد، لأن الحجاج قتل الناس على الدنيا، وعمرو بن عبيد أحدث للناس بدعة شنعاء، قتل الناس بعضهم بعضاً.
وقال الزبير: سببت الحجاج يوماً عند أبي وائل فقال: لا تسبه لعله قال يوماً: اللهم ارحمني فيرحمه، إياك ومجالسة من يقول: أرأيت أرأيت أرأيت.
وقال عوف: ذكر الحجاج عند محمد بن سيرين فقال: مسكين أبو محمد، إن يعذبه الله عز وجل فبذنبه، وإن يغفر له فهنيئاً له، وإن يلق الله بقلب سليم فهو خير منا، وقد أصاب الذنوب من هو خير منه، فقيل له: ما القلب السليم؟ قال: أن يعلم الله تعالى منه الحياء والإيمان، وأن يعلم أن الله حق، وأن الساعة حق قائمة، وأن الله يبعث من في القبور.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق