93
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثاني:وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وسقيفة بني ساعدة وجيش أسامة
المبحث الأول:وفاة الرسول وسقيفة بني ساعدة
رابعاً: أهم الدروس والعبر والفوائد في هذه الحادثة:
7- الأحاديث التي أشارت الى خلافة أبي بكر :
وأما الأحاديث النبوية التي جاء التنبيه فيها على خلافة أبي بكر t فكثيرة شهيرة متواترة ظاهرة الدلالة إما على وجه التصريح أو الإشارة ولاشتهارها وتواترها صارت معلومة من الدين بالضرورة بحيث لايسع أهل البدعة إنكارها([116]) ومن تلك الأحاديث.
أ- عن جبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبي e فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول الموت- قال e إن لم تجديني فأتي أبابكر([117]).
قال ابن حجر: وفي الحديث أن مواعيد النبي e كانت على من يتولى الخلافة بعده تنجيزها وفيه رد على الشيعة في زعمهم أنه نص على استخلاف علي والعباس([118]).
ب- عن حذيفة قال: كنا عند النبي e جلوساً فقال: إني لا أدري ماقدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار الى أبي بكر وعمر (وتمسكوا بعهد عمار وماحدثكم ابن مسعود فصدقوه)([119]).
فقوله e: (اقتدوا باللذين من بعدي) أي: بالخيلفتين اللذين يقومان من بعدي وهما أبوبكر وعمر وحث على الاقتداء بهما لحسن سيرتهما وصدق سريرتهما، وفي الحديث إشارة لأمر الخلافة([120]).
ت- عن أبي هريرة t عن رسول الله قال: بينما أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي أسقي الناس فجاءني أبوبكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني فنزع الدلوين وفي نزعه ضعف والله يغفر له فجاء ابن الخطاب فأخذ منه فلم أر نزع رجل قط أقوى منه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر([121]).
قال الشافعي رحمه الله: رؤيا الأنبياء وحي وقوله: وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشعله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته([122]).
ث- قالت عائشة: قال لي رسول الله e في مرضه: (ادعي لي أبابكر، وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمى متمن ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبابكر)([123]).
دل هذا الحديث دلالة واضحة على فضل الصديق t حيث أخبر النبي e بما سيقع في المستقبل بعد التحاقه بالرفيق الأعلى وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره t وفي الحديث إشارة أنه سيحصل نزاع ووقع كل ذلك كما أخبر عليه الصلاة والسلام ثم اجتمعوا على أبي بكر t([124]).
ج- عن عبيد الله بن عبدالله قال: دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحديثيني عن مرض رسول الله e قالت: بلى ثقل النبي e فقال: أصلى بالناس. قلنا: لا وهم ينتظرونك يارسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب([125]). ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء([126])، فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس. قلنا: لا وهم ينتظرونك يارسول الله فقال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس. قلنا: لا وهم ينتظرونك يارسول الله؟ قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله e لصلاة العشاء الآخرة قالت: فأرسل رسول الله e الى أبي بكر أن يصلي بالناس فأتان الرسول فقال: إن رسول الله e يأمرك أن تصلي بالناس فقال: أبوبكر، وكان رجلاً رقيقاً: ياعمر صلِ بالناس قال: فقال: عمر أنت أحق بذلك قالت: فصلى بهم أبوبكر تلك الأيام ثم إن رسول الله e وجد في نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبوبكر يصلي بالناس فلما رآه أبوبكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي e أن لا يتأخر وقال لهما: أجلساني الى جنبه. فأجلساه الى جنب أبي بكر وكان أبوبكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي e والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي e قاعد. قال عبيدالله: فدخلت على عبدالله بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ماحدثتني عائشة عن مرض رسول الله e قال: هات فعرضت حديثها عليه فما أنكر منه شيئاً غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت: لا قال: هو علي([127]).
هذا الحديث اشتمل على فوائد عظيمة منها: فضيلة أبي بكر الصديق t وترجيحه على جميع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وتفضيله، وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله e من غيره ومنها أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم، ومنها فضيلة عمر بعد أبي بكر t لأن أبابكر t لم يعدل الى غيره([128]).
د- قال عبدالله بن مسعود t: لما قبض رسول الله e قالت الأنصار:منا أمير ومنكم أمير قال: فأتاهم عمر t فقال: يامعشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله e قد أمر أبابكر يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبابكر t فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبابكر([129]).
هـ- روى ابن سعد بإسناده الى الحسن قال: قال علي: لما قبض النبي e نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي e قد قدم أبابكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله e لديننا فقدمنا أبابكر([130]).
وقد علق أبو الحسن الأشعري على تقديم رسول الله e لأبي بكر في الصلاة فقال: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الاسلام قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء: أن رسول الله e قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأكبرهم سناً، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم إسلاماً) - قال ابن كثير- وهذا من كلام الأشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق t وأرضاه([131]).
هذا ولأهل السنّة قولان في إمامة أبي بكر t من حيث الإشارة إليها بالنص الخفي أو الجلي، فمنهم من قال: إن إمامة أبي بكر t ثابتة بالنص الخفي والإشارة وهذا القول ينسب الى الحسن البصري رحمه الله تعالى وجماعة من أهل الحديث([132])، وهو رواية عن الامام أحمد بن حنبل([133])، رحمة الله عليه واستدل أصحاب هذا القول بتقديم النبي e له في الصلاة وبأمره e بسد الأبواب إلا باب أبي بكر، ومنهم من قال: إن خلافة أبي بكر t ثابتة بالنص الجلي وهذا قول طائفة من أهل الحديث([134])، وبه قال أبومحمد بن حزم الظاهري([135])، واستدل هذا الفريق بحديث المرأة التي قال لها: إن لم تجديني فأتي أبابكر([136])، وبقوله لعائشة رضي الله عنها: ادعي لي أبابكر وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبابكر([137])، وحديث رؤياه e: أنه على حوض يسقى الناس فجاء أبوبكر فنزع الدلو من يده ليروحه)([138]).
والذي أميل إليه ويظهر لي من خلال البحث: أن المصطفى e يأمر المسلمين بأن يكون الخليفة عليهم من بعده أبابكر t وإنما دلهم عليها لإعلام الله سبحانه وتعالى له بان المسلمين سيختارونه لما له من الفضائل العالية التي ورد بها القرآن والسنّة وفاق بها غيره من جميع الأمة المحمدية t وأرضاه([139]).
قال ابن تيمية رحمه الله: والتحقيق أن النبي e دل المسلمين على استخلاف أبي بكر وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقوله وأفعاله وأخبر بخلافته إخبار رضي بذلك حامد له وعزم على أن يكتب بذلك عهداً ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك... فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه رسول الله e بياناً قاطعاً للعذر ولكن لما دلهم دلالات متعددة على أن أبابكر هو المتعين وفهموا ذلك حصل المقصورد ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار: وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر...) الى أن قال: (فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسوله e له بها وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختياراً استندوا فيه الى ماعملوه من تفضيل الله ورسوله فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعاً لكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بها وقدرها وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد، وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضا الله ورسوله بذلك كان ذلك دليلاً على أن الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ماعلم المسلمون به أنه أحقهم بالخلافة فإن ذلك لايحتاج فيه الى عهد خاص([140]).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق