144
عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره
الفصل الثالث: جيش أسامة وجهاد الصديق لأهل الردة
المبحث الثالث : الهجوم الشامل على المرتدين
ثانياً: القضاء على فتنة الأسود العنسي وطليحة الأسدي، ومقتل مالك بن نويرة:
2-القضاء على فتنة طليحة الأسدي:
طليحة الأسدي هو المتنبئ الثالث من المتنبئة الذين ظهروا في الإسلام أواخر عهد رسول الله ? بالحياة، وطليحة هذا هو طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة الأسدي، ولقد قدم مع و فد قومه أسد على رسول الله ? في عام الوفود سنة تسع للهجرة، فسلموا عليه، وقالوا له ممتنين: جئناك نشهدُ أن لا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، ولم تبعث إلينا، ونحن لمن وراءنا، فأنزل الله عزوجل قوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (سورة الحجرات، آية:17). ولما عادوا ارتد طليحة وتنبأ( )، وعسكر في سميراء (منطقة في بلادهم)، واتبعه العوام واستكشف أمره (وأول ما صدر عنه -وكان سبباً لضلال الناس- أنه كان مع بعض قومه في سفر، فأعوزهم الماء وغلب العطش على الناس، فقال: اركبوا أعلالاً (اسم فرسه) واضربوا أميالاً، تجدوا بلالاً، ففعلوا فوجدوا الماء فكان ذلك سبب وقوع الأعراب في الفتنة)( ).
ومن خزعبلاته أنه رفع السجود من الصلاة، وكان يزعم أن الوحي يأتيه من السماء، ومن أسجاعه التي ادعى أنه يوحي له بها قوله:(والحمام واليمام، والصُّرد الصّوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكُنا العراق والشام)( ) وغرته نفسه واشتد أمره وقوت شوكته، فبعث رسول الله ? ضرار بن الأزور الأسدي لمقاتلته لما سمع من أمره. ولكن ضراراً لم يكن له به قبل، وذلك لتعاظم قوته مع الزمن، ولاسيما بعد أن آمن به الحليفان: أسد وغطفان( )، وتقول عنه دائرة المعارف الإسلامية: (ويروى عنه أنه كان يرتجل الشعر ويخطب عفو الساعة في ميدان القتال. ويبدو أنه كان مثالاً -حقاً- للزعيم القبلي الجاهلي. وقد اجتمعت فيه صفات: العرَّاف والشاعر والخطيب والمقاتل( ). ويشمّ من هذا النص رائحة المدح المبطن لطليحة من قبل هذه الموسوعة الشهيرة، فهو في نظرها الزعيم القبلي المثال، يرتجل الشعر والخطابة، وهما أهم ماكان يحرص عليه العربي آنذاك، ولايستغرب هذا الاتجاه من هذه الموسوعة التي جعلت من اللمز في الإسلام ديدنها، سواء أعرفت أن طليحة عاد فأسلم وحسن أسلامه أم لم تعرف.
وتوفي رسول الله ولم يحسم أمر طليحة( ) وتولى الخلافة الصديق ? وعقد الألوية للجيوش والأمراء للقضاء على المرتدين وكان من ضمنهم طليحة ووجه إليه الصديق جيشاً بقيادة خالد بن الوليد، روى الإمام أحمد: ... أن أبا بكر الصديق لما عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة، قال: سمعت رسول الله ? يقول: نَعْمَ عبدالله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله سَلَّه الله على الكفار والمنافقين( ). ولما توجه خالد من ذي القّصَّة وفارقه الصديق واعده أنه سيلقاه من ناحية خيبر بمن معه من الأمراء وأظهروا ذلك ليرعبوا الأعراب -وأمره أن يذهب أولاً إلى طليحة الأسدي، ثم يذهب بعده إلى بني تميم، وكان طليحة بن خويلد في قومه بني أسد، وفي غطفان، وانضم إليهم بنو عبس وذبيان، وبعث إلى بني جَدِيلة والغوث من طئ يستدعيهم إليه، فبعثوا أقواماً منهم بين أيديهم، ليلحقوهم على أثرهم سريعاً، وكان الصديق قد بعث عدي بن حاتم قبل خالد بن الوليد، وقال له: أدرك قومك لايلحقوا بطليحة فيكون دمارهم، فذهب عدي إلى قومه بني طئ فأمرهم أن يبايعوا الصديق( )، وأن يراجعوا أمر الله فقالوا: لانابيع أبا الفَصيِل( ) أبداً -يعنون أبا بكر ?- فقال والله ليأتينكم جيشه فلا يزالون يقاتلونكم حتى تعلموا أنه أبو الفحل الأكبر، ولم يزل عدي يَفْتِل لهم في الذُّروة والغارب حتى لانوا، وجاء خالد في الجنود وعلى مقدمة الأنصار الذين معه: ثابت بن قيس بن شّماس، وبعث بين يديه، ثابت بن أقرم، وعكاشة بن محصن، طليعة، فتلقاهما حِبَال -ابن أخي طليحة، فقتلاه فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة، فلما وجدا ثابتاً وعُكّاشة تبارزوا، وحمل طليحة على عُكاشة فقتله، وقتل سلمة، ثابت بن أقرم، وجاء خالد بمن معه فوجودهما صريعين، فشق ذلك المسلمين، ومال خالد إلى بني طئ، فخرج إليه عدي بن حاتم فقال: أنظرني ثلاثة أيام، فإنهم قد استنظروني حتى يبعثوا إلى من تعجّل منهم إلى طليحة حتى يرجعوا إليهم، فإنهم يخشون إن تابعوك أن يقتل طليحة من سار إليه منهم، وهذا أحبّ إليك من أن يعجلهم إلى النار، فلما كان بعد ثلاث جاءه عدي في خمسمائة مقاتل ممن راجع الحق، فانضافوا إلى جيش خالد وقصد خالد بني جَدِيلة فقال له: ياخالد، أجّلني أياما حتى آتيهم، فلعل الله أن ينقذهم كما أنقذ الغوث( )، فأتاهم عدي فلم يزل بهم حتى تابعوه، فجاء بإسلامهم، ولحق بالمسلمين منهم ألف راكب، فكان عدي خير مولود وأعظمه بركة على قومه ?( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق