إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 4 أبريل 2015

1557 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع ثم دخلت سنة ست وتسعين


1557

البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع

ثم دخلت سنة ست وتسعين

فجمع من كل ناحية من الشام وغيره من الأقاليم، فعازوا فإذا عند امرأة منه قناطير مقنطرة، فساوموها فيه، فقالت‏:‏ لا أبيعه إلا بوزنه فضة، فكتبوا إلى الوليد فقال‏:‏ اشتروه منها ولو بوزنه فضة، فلما بذلوا لها ذلك قالت‏:‏ أما إذا قلتم ذلك فهو صدقة لله يكون في سقف هذا المسجد، فكتبوا على ألواحها بطابع لله، ويقال‏:‏ إنها كانت إسرائيلية، وإنه كتب على الألواح التي أخذت منها‏:‏ هذا ما أعطته الإسرائيلية‏.‏

وقال محمد بن عائذ‏:‏ سمعت المشايخ يقولون‏:‏ ما تم بناء مسجد دمشق إلا بأداء الأمانة، لقد كان يفضل عند الرجل من القوم أو الفعلة الفلس ورأس المسمار فيأتي به حتى يضعه في الخزانة‏.‏

وقال بعض مشايخ الدماشقة‏:‏ ليس في الجامع من الرخام شيء إلا الرخامتان اللتان في المقام من عرش بلقيس، والباقي كله مرمر‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ اشترى الوليد العمودين الأخضرين اللذين تحت النسر، من حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار‏.‏

وقال دحيم‏:‏ عن الوليد بن مسلم، ثنا مروان بن جناح، عن أبيه، قال‏:‏ كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم‏.‏

وقال أبو قصي‏:‏ عن دحيم، عن الوليد بن مسلم، عن عمرو بن مهاجر الأنصاري‏:‏ إنهم حسبوا ما أنفقه الوليد على الكرمة التي في قبلي المسجد فإذا هو سبعون ألف دينار‏.‏

وقال أبو قصي‏:‏ أنفق في مسجد دمشق أربعمائة صندوق من الذهب، في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار، وفي رواية‏:‏ في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/170‏)‏

قلت‏:‏ فعلى الأول يكون ذلك خمسة آلاف ألف دينار، وستمائة ألف دينار‏.‏ وعلى الثاني يكون المصروف في عمارة الجامع الأموي أحد عشر ألف ألف دينار، ومائتي ألف دينار‏.‏ وقيل‏:‏ أنه صرف أكثر من ذلك بكثير، والله أعلم‏.‏

قال أبو قصي ‏:‏ وأتى الحرسي إلى الوليد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الناس يقولون أنفق أمير المؤمنين بيوت الأموال في غير حقها‏.‏ فنودي في الناس‏:‏ الصلاة جامعة‏.‏ فاجتمع الناس فصعد الوليد المنبر وقال‏:‏ إنه بلغني عنكم أنكم قلتم أنفق الوليد بيوت الأموال في غير حقها، ثم قال‏:‏ يا عمرو بن مهاجر، قم فأحضر أموال بيت المال‏.‏

فحملت على البغال إلى الجامع، ثم بسط لها الأنطاع تحت قبة النسر، ثم أفرغ عليها المال ذهباً صبيباً، وفضة خالصة، حتى صارت كوماً، حتى كان الرجل إذا قام من الجانب الواحد لا يرى الرجل من الجانب الآخر، وهذا شيء كثير، ثم جيء بالقبانين فوزنت الأموال فإذا هي تكفي الناس ثلاث سنين مستقبلة، وفي رواية‏:‏ ست عشرة سنة مستقبلة، لو لم يدخل للناس شيء بالكلية‏.‏

فقال لهم الوليد‏:‏ والله ما أنفقت في عمارة هذا المسجد درهماً من بيوت المال، وإنما هذا كله من مالي‏.‏ ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل على ذلك، ودعوا للخليفة، وانصرفوا شاكرين داعين‏.‏

فقال لهم الوليد‏:‏ يا أهل دمشق، والله ما أنفقت في بناء هذا المسجد شيئاً من بيوت المال، وإنما هذا كله من مالي، لم أرزأكم من أموالكم شيئاً‏.‏

ثم قال الوليد‏:‏ يا أهل دمشق، إنكم تفخرون على الناس بأربع‏:‏ بهوائكم، ومائكم، وفاكهتكم، وحماماتكم، فأحببت أن أزيدكم خامسة وهي‏:‏ هذا الجامع‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كان في قبلة جامع دمشق ثلاث صفائح مذهبة بلا زورد، في كل منها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم‏.‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، ربنا الله وحده، وديننا الإسلام، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ أمر ببنيان هذا المسجد، وهدم الكنيسة التي كانت فيه‏:‏ عبد الله أمير المؤمنين الوليد، في ذي القعدة، سنة ست وثمانين‏.‏

وفي صفيحة أخرى رابعة من تلك الصفائح‏:‏ الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم إلى آخر الفاتحة، ثم النازعات، ثم عبس، ثم إذا الشمس كورت، قالوا‏:‏ ثم محيت بعد مجيء المأمون إلى دمشق‏.‏

وذكروا أن أرضه كانت مفضضة كلها، وأن الرخام كان في جدرانه إلى قامات، وفوق الرخام كرمة عظيمة من ذهب، وفوق الكرمة الفصوص المذهبة والخضر والحمر والزرق والبيض، قد صوروا بها سائر البلدان المشهورة، الكعبة فوق المحراب، وسائر الأقاليم يمنة ويسرة، وصوروا ما في البلدان من الأشجار الحسنة المثمرة والمزهرة وغير ذلك، وسقفه مقرنص بالذهب، والسلاسل المعلقة فيها جميعها من ذهب وفضة، وأنوار الشموع في أماكنه مفرقة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/171‏)‏

قال‏:‏ وكان في محراب الصحابة برنية حجر من بلور، ويقال‏:‏ بل كانت حجراً من جوهر وهي الدرة، وكانت تسمى القليلة، وكانت إذا طفئت القناديل تضيء لمن هناك بنورها، فلما كان زمن الأمين بن الرشيد - وكان يحب البلور، وقيل‏:‏ الجوهر - بعث إلى سليمان وإلى شرطه دمشق أن يبعث بها إليه، فسرقها الوالي خوفاً من الناس وأرسلها إليه، فلما ولى المأمون ردها إلى دمشق ليشنع بذلك على الأمين‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ ثم ذهبت بعد ذلك فجعل مكانها برنية من زجاج، قال‏:‏ وقد رأيت تلك البرنية ثم انكسرت بعد ذلك فلم يجعل مكانها شيء، قالوا‏:‏ وكانت الأبواب الشارعة من داخل الصحن ليس عليها أغلاق، وإنما كان عليها الستور مرخاة، وكذلك الستور على سائر جدرانه إلى حد الكومة التي فوقها الفصوص المذهبة، ورؤوس الأعمدة مطلية بالذهب الخالص الكثير، وعملوا له شرفات تحيط به، وبنى الوليد المنارة الشمالية التي يقال لها‏:‏ مأذنة العروس، فأما الشرقية والغربية فكانتا فيه قبل ذلك بدهور متطاولة‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق