إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 3 أبريل 2015

1537 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع وممن توفي في هذه السنة من الأعيان علي بن الحسين


1537

البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء التاسع

 وممن توفي في هذه السنة من الأعيان

 علي بن الحسين


ابن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المشهور بزين العابدبن، وأمه أم ولد أسمها سلامة، وكان له أخ أكبر منه يقال له علي أيضاً، قتل مع أبيه، روى على هذا الحديث عن أبيه وعمه الحسن بن علي، وجابر وابن عباس والمسور بن مخرمة وأبي هريرة وصفية وعائشة وأم سلمة، أمهات المؤمنين‏.‏ وعنه جماعة منهم بنوه زيد وعبد الله وعمر، وأبو جعفر محمد بن علي بن قر، وزيد بن أسلم، وطاووس وهو من أقرانه، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو سلمة وهو من أقرانه، وخلق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/122‏)‏

قال ابن خلكان‏:‏ كانت أم سلمة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، وذكر الزمخشري في ربيع الأبرار أن يزدجرد كان له ثلاث بنات سبين في زمن عمر بن الخطاب، فحصلت واحدة لعبد الله بن عمر فأولدها سالماً، والأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق فأولدها القاسم، والأخرى للحسين بن علي فأولدها علياً زين العابدين، هذا فكلهم بنو خالة، قال ابن خلكان‏:‏ ولما قتل قتيبة بن مسلم فيروز ابن يزدجرد بعث يا بنتيه إلى الحجاج فأخذ إحداهما وبعث بالأخرى إلى الوليد، فأولدها الوليد يزيد الناقص‏.‏ وذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف أن زين العابدين هذا كانت أمه سندية، يقال لها، سلامة ويقال عزالة، وكان مع أبيه بكربلاء، فاستبقى لصغره، وقيل لمرضه فإنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة، وقيل أكثر من ذلك، وقد هم بقتله عبيد الله بن زياد، ثم صرفه الله عنه، وأشار بعض الفجرة على يزيد بن معاوية بقتله أيضاً فمنعه الله منه، ثم كان يزيد بعد ذلك يكرمه ويعظمه ويجلسه معه، ولا يأكل إلا وهو عنده، ثم بعثهم إلى المدينة، وكان على بالمدينة محترماً معظماً، قال ابن عساكر‏:‏ ومسجده بدمشق المنسوب إليه معروف‏.‏ قلت‏:‏ وهو مشهد علي بالناحية الشرقية من جامع دمشق، وقد استقدمه عبد الملك بن مروان مرة أخرى إلى دمشق فاستشاره في جواب ملك الروم عن بعض ما كتب إليه فيه من أمر السكة وطراز القراطيس، قال الزهري‏:‏ ما رأيت قرشياً أورع منه ولا أفضل‏.‏ وكان مع أبيه يوم قتل ابن ثلاث وعشرين سنة وهو مريض، فقال عمر ابن سعد‏:‏ لا تعرضوا لهذا المريض‏.‏ وقال الواقدي‏:‏ كان من أورع الناس وأعبدهم وأتقاهم لله عز وجل، وكان إذا مشى لا يخطر بيده، وكان يعتم بعمامة بيضاء يرخيها من ورائه، وكان كنيته أبا الحسن، وقيل أبا محمد، وقيل أبا عبد الله‏.‏ وقال محمد بن سعد‏:‏ كان ثقةً مأموناً كثير الحديث عالياً رفيعاً ورعاً، وأمه عزالة خلف عليها بعد الحسين مولاه زبيد فولدت له عبد الله بن زبيد، وهو عليِّ الأصغر، فأما الأكبر فقتل مع أبيه‏.‏ وكذا قال غير واحد، وقال سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم ومالك وأبو حازم‏:‏ لم يكن في أهل البيت مثله، وقال يحيى بن سعيد الأنصاري‏:‏ سمعت علي ابن الحسين وهو أفضل هاشمي أدركته يقول‏:‏ يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً‏.‏ وفي رواية حتى بغضتمونا إلى الناس‏.‏ وقال الأصمعي‏:‏ لم يكن للحسين عقب إلا من علي بن الحسين، ولم يكن لعلي بن الحسين نسل إلا من ابن عمه الحسن، فقال له مروان بن الحكم‏:‏ لو اتخدت الساراري يكثر أولادك، فقال‏:‏ ليس لي ما أتسرى به، فأقرضه مائة ألف فاشترى له الساراري فولدت له وكثر نسله، ثم لما مرض مروان أوصى أن لا يؤخذ من علي بن الحسين شيء مما كان أقرضه، فجميع الحسينيين من نسله رحمه الله‏.‏ وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ أصح الأسانيد كلها الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، وذكروا أنه احترق البيت الذي هو فيه وهو قائم يصلي، فلما انصرف قالوا له‏:‏ مالك لم تنصرف‏؟‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/123‏)‏ فقال‏:‏ إني اشتغلت عن هذه النار بالنار الأخرى، وكان إذا توضأ يصفر لونه، فإذا قام إلى الصلاة ارتعد من الفرق، فقيل له في ذلك، فقال‏:‏ ألا تدرون بين يدي من أقوم ولمن أناجي‏؟‏

ولما حج أراد أن يلبي فارتعد وقال‏:‏ أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك، فيقال لي‏:‏ لا لبيك، فشجعوه على التلبية، فلما لبى غشي عليه حتى سقط عن الراحلة‏.‏

وكان يصلي في كل يوم و ليلة ألف ركعة‏.‏

وقال طاووس‏:‏ سمعته وهو ساجد عند الحجر يقول‏:‏ عبيدك بفنائك‏.‏ سائلك بفنائك‏.‏ فقيرك بفنائك، قال طاووس‏:‏ فوالله ما دعوت بها في كرب قط إلا كشف عني‏.‏

وذكروا أنه كان كثير الصدقة بالليل، وكان يقول‏:‏ صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة، وقاسم الله تعالى ماله مرتين‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطيهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به‏.‏

ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل‏.‏

وقيل‏:‏ إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات‏.‏

ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده فبكى ابن أسامة فقال له‏:‏ ما يبكيك‏؟‏ قال‏:‏ عليَّ دين، قال‏:‏ وكم هو‏؟‏ قال‏:‏ خمسة عشر ألف دينار - وفي رواية سبعة عشر ألف دينار - فقال‏:‏ هي عليَّ‏.‏

وقال علي بن الحسين‏:‏ كان أبو بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته بمنزلتهما منه بعد وفاته‏.‏

ونال منه رجل يوماً فجعل يتغافل عنه - يريه أنه لم يسمعه - فقال له الرجل‏:‏ إياك أعني، فقال له علي‏:‏ وعنك أغضي‏.‏

وخرج يوماً من المسجد فسبه رجل، فانتدب الناس إليه، فقال‏:‏ دعوه، ثم أقبل عليه فقال‏:‏ ما ستره الله عنك من عيوبنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها‏؟‏ فاستحيا الرجل فألقى إليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك إذا رآه يقول‏:‏ إنك من أولاد الأنبياء‏.‏

قالوا‏:‏ واختصم علي بن الحسين وحسن بن حسن - وكان بينهما منافسة - فنال منه حسن بن حسن وهو ساكت، فلما كان الليل ذهب علي بن الحسين إلى منزله، فقال‏:‏ يا ابن عم إن كنت صادقاً يغفر الله لي، وإن كنت كاذباً يغفر الله لك والسلام عليك، ثم رجع، فلحقه فصالحه‏.‏

وقيل له‏:‏ من أعظم الناس خطراً‏؟‏ فقال‏:‏ من لم ير الدنيا لنفسه قدراً‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته، وقال‏:‏ فقد الأحبة غربة‏.‏

وكان يقول‏:‏ إن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرون عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار، وآخرون عبدوه محبة وشكراً، فتلك عبادة الأحرار الأخيار‏.‏

وقال لابنه‏:‏ يا بني لا تصحب فاسقاً فإنه يبيعك بأكلة وأقل منها يطمع فيها ثم لا ينالها، ولا بخيلاً فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، ولا كذاباً فإنه كالسراب يقرب منك البعيد ويباعد عنك القريب، ولا أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، ولا قاطع رحم فإنه ملعون في كتاب الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 22-23‏]‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/124‏)‏

وكان علي بن الحسين إذا دخل المسجد تخطى الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم، فقال له نافع بن جبير بن مطعم‏:‏ غفر الله لك، أنت سيد الناس تأتي تخطي حلق أهل العلم وقريش حتى تجلس مع هذا العبد الأسود‏؟‏ فقال له علي بن الحسين‏:‏ إنما يجلس الرجل حيث ينتفع، وإن العلم يطلب حيث كان‏.‏

وقال الأعمش، عن مسعود بن مالك، قال‏:‏ قال لي علي بن الحسين‏:‏ أتستطيع أن تجمع بيني وبين سعيد بن جبير‏؟‏ فقلت‏:‏ ما تصنع به‏؟‏ قال‏:‏ أريد أسأله عن أشياء ينفعنا الله بها ولا منقصة، إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء - وأشار بيده إلى العراق -‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زر بن عبيد، قال‏:‏ كنت عند ابن عباس، فأتى علي بن الحسين فقال ابن عباس‏:‏ مرحباً بالحبيب ابن الحبيب‏.‏

وقال أبو بكر بن محمد بن يحيى الصولي‏:‏ ثنا العلاء، ثنا إبراهيم بن بشار، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، قال‏:‏ كنا عند جابر بن عبد الله، فدخل عليه علي بن الحسين فقال‏:‏ كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه الحسين بن علي فضمه إليه وقبله وأقعده إلى جنبه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يولد لابني هذا ابنُ يقال له‏:‏ علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم سيد العابدين فيقوم هو هذا‏)‏‏)‏‏.‏ حديث غريب جداً أورده ابن عساكر‏.‏

وقال الزهري‏:‏ كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أفقه منه، وكان قليل الحديث، وكان من أفضل أهل بيته، وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان وابنه عبد الملك، وكان يسمى زين العابدين‏.‏

وقال جويرية بن أسماء‏:‏ ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً قط‏.‏ رحمه الله ورضي عنه‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ أنبأ علي بن محمد، عن سعيد بن خالد، عن المقبري، قال‏:‏ بعث المختار إلى علي بن الحسين بمائة ألف فكره أن يقبلها وخاف أن يردها، فاحتبسها عنده، فلما قتل المختار كتب إلى عبد الملك بن مروان‏:‏ إن المختار بعث إلى بمائة ألف فكرهت أن أقبلها وكرهت أن أردها، فابعث من يقبضها‏.‏ فكتب إليه عبد الملك‏:‏ يا ابن عم ‏!‏ خذها فقد طيبتها لك، فقبلها‏.‏

وقال علي بن الحسين‏:‏ سادة الناس في الدنيا الأسخياء الأتقياء، وفي الآخرة أهل الدين وأهل الفضل والعلم الأتقياء، لأن العلماء ورثة الأنبياء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/125‏)‏

وقال أيضاً‏:‏ إني لأستحي من الله عز وجل أن أرى الأخ من إخواني فأسأل الله له الجنة، وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل لي‏:‏ فإذا كانت الجنة بيدك كنت بها أبخل، وأبخل وأبخل‏.‏

وذكروا أنه كان كثير البكاء فقيل له‏:‏ في ذلك فقال‏:‏ إن يعقوب عليه السلام بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف، ولم يعلم أنه مات، وإني رأيت بضعة عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبداً‏؟‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ سكبت جارية لعلي بن الحسين عليه ماء ليتوضأ، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه، فرفع رأسه إليها، فقالت الجارية‏:‏ إن الله يقول‏:‏ ‏{‏وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 134‏]‏‏.‏

فقال‏:‏ و قد كظمت غيظي‏.‏

قالت‏:‏ ‏{‏وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ‏}‏‏.‏

فقال‏:‏ عفا الله عنك‏.‏

فقالت‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏}‏‏.‏

قال‏:‏ أنت حرة لوجه الله تعالى‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق