إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 30 مارس 2014

761 السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2 الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة المبحث الرابع :قصة الثلاثة الذين خلفوا


761

السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2

الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة

المبحث الرابع :قصة الثلاثة الذين خلفوا

وردت قصة الثلاثة الذين خلفوا على لسان كعب بن مالك t في كتب السيرة والحديث والتفسير بروايات متقاربة في ألفاظها، ولقيت عناية فائقة في الشرح والتدريس, وكان صحيح البخاري من أكثر الكتب دقة وتفصيلا لهذه القصة( ).

ونترك كعب بن مالك t يحدثنا بنفسه حيث قال: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة( ) حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري أني لم أكن –قط- أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان –قط- حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد, واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا، وعدوًّا كثيرًا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ، يريدون الديوان, قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي الله.

وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حيث طابت الثمار والظلال, وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقضِ شيئًا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئًا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو( ) وهممت أن أرتحل فأدركهم, وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصًا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب؟» فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه، ونظره في عطفيه( ) فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت, والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيضا( ) يزول به السراب( ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن أبا خيثمة» فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه( ) المنافقون, قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً( ) من تبوك حضرني بثي( )، فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدًا؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل لي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادمًا( ) زاح( ) عني الباطل، حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا، فأجمعت صدقه( ) وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا, فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئت، فلما سلمت، تبسم تبسم المغضب, ثم قال: «تعال», فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: «ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» قال: قلت: بلى, إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً( ) ولكني –والله- لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن( ) الله أن يُسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه( ) إني لأرجو فيه عقبى الله( ), لا –والله- ما كان لي عذر، والله ما كنت -قط- أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك», فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك، استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قال: فوالله مازالوا يؤنبونني( ) حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذِّب نفسي.

قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، قال: قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي، قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا، فيهما أسوة. فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا -أيها الثلاثة- من بين من تخلف عنه. فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف, فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا( ) وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدَهم( ) فكنت أخرج، فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى طال ذلك عليَّ من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، -وهو ابن عمي, وأحب الناس إلي- فسلمت عليه, فوالله ما رد عليَّ السلام، فقلت له: يا أبا قتادة, أنشدك بالله( ) هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينما أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطي من نبط أهل الشام( ) ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي، حتى جاءني فدفع إليَّ كتابًا من ملك غسان، وكنت كاتبا، فقرأته فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة( ) فالحقْ بنا نو فقلت حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء فتيممت( ) بها التنور، فسجرتها( ) به حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين واستلبث الوحي( ) إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا, بل اعتزلها فلا تقربنها، قال: فأرسل إلى صاحبي بمثل هذا.

قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله، فقالت له: يا رسول الله, إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا، ولكن لا يقربنك, فقالت: إنه -والله- ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.  فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلال ابن أمية أن تخدمه، قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب، قال فلبثت بذلك عشر ليالٍ، فكمل لنا خمسون ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا، قد ضاقت علىَّ نفسي وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع( ) يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك, أبشر. قال: فخررت ساجدًا، وعرفت أن قد جاء فرج، قال: فآذن( ) رسول الله صلى الله عليه وسلم توبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا, فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إليَّ فرسًا، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس, فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أتأمم( ) رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجا فوجا( ) يهنئونني بالتوبة ويقولون: لتهنأك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني, والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة, قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: «لا, بل من عند الله» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر قال: وكنا نعرف ذلك قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله, إن من توبتي أن أنخلع( ) من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر قال: وقلت: يا رسول الله, إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقًا ما بقيت, فوالله ما علمت أن أحدًا من المسلمين أبلاه( ) الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسن مما أبلاني الله به، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، قال: فأنزل الله عز وجل: ( لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ? وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [التوبة: 117-118] حتى بلغ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) [التوبة: 119].

قال كعب: والله ما أنعم الله علي من نعمة -قط- بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا الله حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، قال الله: ( سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إذا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ? يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) [التوبة: 95-96].

قال كعب: وكنا تخلفنا -أيها الثلاثة- عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه, فبذلك قال الله عز وجل: ( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [التوبة: 118] وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا( )، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه( ).



يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق