إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 31 مارس 2014

20 عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره الفصل الأول:أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مكة المبحث الثاني:إسلامه ودعوته وابتلاؤه وهجرته الأولى سادساً: هجرته الاولى وموقف ابن الدغنة منها:


20

عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره

الفصل الأول:أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مكة

المبحث الثاني:إسلامه ودعوته وابتلاؤه وهجرته الأولى

سادساً: هجرته الاولى وموقف ابن الدغنة منها:

قالت عائشة رضي الله عنها: قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله e طرفي النهار: بكرة وعشية فلما ابتلى المسلمون، خرج أبوبكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى برك الغماد لقيه ابن الدغنة -وهو سيد القارة([51])- فقال: أين تريد ياأبابكر؟ فقال ابوبكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: فإن مثلك ياأبابكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فأنا لك جار. ارجع وأعبد ربك ببلدك. فرجع، وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبابكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مر أبابكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها وليقرأ ماشاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ذلك ابن الدغنة لابي بكر، فلبث أبوبكر بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين، وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبوبكر رجلاً بكاءً لايملك عينه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا الى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبابكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمته، فإنا قد كرهنا أن نغفرك ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة الى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع اليّ ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت في رجل عقدت له. فقال أبوبكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل([52])، وحين خرج من جوار ابن الدغنة، يعني ابوبكر، لقيه سفيه من سفهاء قريش وهو عامد الى الكعبة فحثا على رأسه تراباً، فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة، أو العاص بن وائل - فقال له أبوبكر t: ألا تر مايصنع هذا السفيه، فقال: أنت فعلت ذلك بنفسك، وهو يقول: ربي ماأحلمك، أي ربي ماأحلمك، أي ربي ماأحلمك([53]). وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة منها:

1- كان ابوبكر في عز من قومه قبل بعثة محمد e فهاهو ابن الدغنة يقول له: مثلك ياأبابكر لايخرج ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأبوبكر لم يدخل في دين الله طلباً لجاه أو سلطان، ومادفعه الى ذلك إلا حب الله ورسوله مما يترتب على ذلك من ابتلاءات، أي أنه لم يكن له تطلعات سوى مرضات الله تعالى، إنه يريد أن يفارق الأهل والوطن والعشيرة ليعبد ربه لأنه حيل بينه وبين ذلك في وطنه([54]).

2- إن زاد الصديق في دعوته القرآن الكريم ولذلك اهتم بحفظه وفهمه وفقهه والعمل به، وأكسبه الاهتمام بالقرآن الكريم براعة في تبليغ الدعوة، وروعة في الاسلوب، وعمقاً في الأفكار، وتسلسلاً عقلياً في عرض الموضوع الذي يدعو إليه، ومراعاة لأحوال السامعين وقوة في البرهان والدليل([55]).

وكان الصديق يتأثر بالقرآن الكريم ويبكي عند تلاوته وهذا يدل على رسوخ يقينه وقوة حضور قلبه مع الله عز وجل ومع معاني الآيات التي يتلوها، والبكاء مبعثه قوة التأثير إما بحزن شديد أو فرح غامر، والمؤمن الحق يظل بين الفرح بهداية الله تعالى الى الصراط المستقيم، والإشفاق من الانحراف قليلاً عن هذا الصراط، وإذا كان صاحب إحساس حيَّ وفكر يقظ كأبي بكر t فإن هذا القرآن يذكِّره بالحياة الآخرة ومافيها من حساب وعقاب أو ثواب، فيظهر أثر ذلك في خشوع الجسم وانسكاب العبرات، وهذا المظهر يؤثر كثيراً على من شاهده، ولذلك فزع المشركون من مظهر أبي بكر المؤثر وخَشُوا على نسائهم وأبنائهم أن يتأثروا به فيدخلوا في الإسلام([56]).

لقد تربى الصديق على يدي رسول الله e وحفظ كتاب الله تعالى وعمل به في حياته وتأمل فيه كثيراً وكان لا يتحدث بغير علم، فعندما سئل عن آية لايعرفها أجاب بقوله: أي أرض تسعني أو أي سماء تُظِلنُّي إذا قلت في كتاب الله مالم يُرد الله([57]) ومن أقواله التي تدل على تدبره وتفكره في القرآن الكريم قوله: (إن الله ذكر أهل الجنة، فذكرهم بأحسن أعمالهم وغفر لهم سيئها، فيقول الرجل: أين أنا من هؤلاء؟! يعني: حسنها، فيقول قائل: لست من هؤلاء، يعني: وهو منهم([58])، وكان يسأل رسول الله e فيما استشكل عليه بأدب وتقدير واحترام، فلما نزل قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} (سورة النساء، الاية:123) قال ابوبكر يارسول الله، قد جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءاً؟ فقال: ياأبابكر، ألست تنصب؟ الست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك مما تجزون به([59]).

وقد فسر الصديق بعض الآيات مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (سورة فصلت، الآية: 30) قال فيها: فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة، فلم يلتفتوا بقلوبهم الى ماسواه لا بالحب ولا بالخوف، ولا بالرجاء ولا بالسؤال ولا بالتوكل عليه، بل لا يحبون إلا الله ولا يحبون معه أنداداً، ولايحبون إلا إياه، لا لطلب منفعة، ولا لدفع مضرة، ولا يخافون غيره كائناً من كان، ولا يسألون غيره ولا يتشرفون بقلوبهم الى غيره([60])، وغير ذلك من الآيات.

إن الدعاة الى الله عليهم أن يكونوا في صحبة مستمرة للقرآن الكريم، يقرؤه ويتدبروه ويستخرجوا كنوزه ومعارفه للناس، وأن يظهروا للناس مافي القرآن من إعجاز بياني وعلمي وتشريعي ومافيه من سبل إنقاذ الانسانية المعذبة من مأسيها وحروبها، بأسلوب يناسب العصر، ويكافئ ماوصل إليه الناس من تقدم في وسائل الدعوة والدعاية، ولقد أدرك أبوبكر t كيف تكون قراءة القرآن الكريم في المسجد على ملأ من قريش وسيلة مؤثرة من وسائل الدعوة الى الله([61]).






يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق