إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 31 مارس 2014

19 عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره الفصل الأول:أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مكة المبحث الثاني:إسلامه ودعوته وابتلاؤه وهجرته الأولى خامساً: انفاقه الأموال لتحرير المعذبين في الله:


19

عصر الخلفاء الراشدين (1) أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره

الفصل الأول:أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مكة

المبحث الثاني:إسلامه ودعوته وابتلاؤه وهجرته الأولى

خامساً: انفاقه الأموال لتحرير المعذبين في الله:

تضاعف اذى المشركين لرسول الله e ولأصحابه مع انتشار الدعوة في المجتمع المكي الجاهلي حتى وصل الى ذروة العنف وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، فنكلت بهم لتفتنهم عن عقيدتهم وإسلامهم، ولتجعلهم عبرة لغيرهم، ولتنفس عن حقدها وغضبها بما تصبه عليهم من العذاب وقد تعرض بلال t لعذاب عظيم ولم يكن لبلال t ظهر يسنده، ولا عشيرة تحميه، ولا سيوف تذود عنه، ومثل هذا الانسان في المجتمع الجاهلي المكي يعادل رقماً من الأرقام، فليس له دور في الحياة إلا أن يخدم ويطيع ويباع ويشترى كالسائمة، أما أن يكون له رأي أو يكون صاحب فكر، أو صاحب دعوة أو صاحب قضية، فهذه جريمة شنعاء في المجتمع الجاهلي المكي تهز أركانه، وتزلزل أقدامه، ولكن الدعوة الجديدة التي سارع لها الفتيان وهم يتحدون تقاليد وأعراف آبائهم الكبار لامست قلب هذا العبد المرمي المنسي، فأخرجته إنساناً جديد في الحياة([38])، قد تفجرت معاني الايمان في إعماقه بعد أن آمن بهذا الدين وانضم الى محمد e وإخوانه في موكب الايمان العظيم وعندما علم سيده أميةبن خلف، راح يهدده تارة ويغريه اطوراً فما وجد عند بلال غير العزيمة وعدم الاستعداد للعودة الى الوراء الى الكفر والجاهلية والضلال، وفحنق عليه أمية وقرر أن يعذبه عذاباً شديداً، فأخرجه الى شمس الظهيرة في الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشراب يوماً وليلة، ثم ألقاه على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة ثم أمر غلمانه فحملوا صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلال وهو مقيد اليدين، ثم قال له: لاتزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى) وأجاب بلال بكل صبر وثبات: أحد أحد. وبقي أمية بن خلف مدة وهو يعذب بلالاً بتلك الطريقة البشعة([39])، فقصد وزير رسول الله e الصديق موقع التعذيب وفاوض أمية بن خلف وقال له: (ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى! قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، فقال أبوبكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به، قال: قد قبلت؛ فقال: هو لك فأعطاه أبوبكر الصديق t غلامه ذلك وأخذه فأعتقه)([40])، وفي رواية اشتراه بسبع أواق أو بأربعين أوقية ذهباً([41])، ماأصبر بلال وماأصلبه t! فقد كان صادق الاسلام، طاهر القلب، ولذلك صَلُب ولم تلين قناته أمام التحديات وأمام صنوف العذاب، وكان صبره، وثباته مما يغيظهم ويزيد حنقهم، خاصة أن كان الرجل الوحيد من ضعفاء المسلمين الذي ثبت على الاسلام فلم يوات الكفار فيما يريدون مردداً كلمة التوحيد بتحد صارخ، وهانت عليه نفسه في الله وهان على قومه([42]).

وبعد كل محنة منحة فقد تخلص بلال من العذاب والنكال، وتخلص من أسر العبودية، وعاش مع رسول الله بقية حياته ملازماً له، ومات راضياً عنه.

واستمر الصديق في سياسة فك رقاب المسلمين المعذبين واصبح هذا المنهج من ضمن الخطة التي تبنتها القيادة الاسلامية لمقاومة التعذيب الذي نزل بالمستضعفين فدّعم الدعوة بالمال والرجال والأفراد فراح يشتري العبيد والإماء المملوكين من المؤمنين والمؤمنات منهم عامر بن فهيرة شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأم عبيس، و زنِّيرة وأصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش: ماأذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله ماتضر اللات والعزى وماتنفعان، فرد الله بصرها([43])، وأعتق النهدية وبنتها وكانتا لامرأة من بني عبدالدار مرّ بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول: والله لا أعتقكما أبداً: فقال ابو بكر t حِلُّ([44]) يأم فلان فقالت: حل أنت، أفسدتهما فأعتقهما؛ قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. وقال: قد أخذتهما وهما حرتان ألينها طحينها. قالتا: أو نفرغ منه ياأبابكر ثم نرده إليها؟ قال: وذلك إن شئتما([45]).

وهنا وقفة تأمل ترينا كيف سوى الاسلام بين الصديق والجاريتين حتى خطابتاه خطاب الند للند، لاخطاب المسود للسيد، وتقبل الصديق على شرفه وجلالته في الجاهلية والاسلام - منهما ذلك، مع أنه له يداً عليهما بالتعق، وكيف صقل الاسلام الجاريتين حتى تخلقتا بهذا الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم أن تدعا لهما طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله الحيوان والطير، ولكنهما ابتا - تفضلاً، إلا أن تفرغا منه، وترداه إليها([46]).

ومر الصديق بجارية بني مؤمل حي من بني عدي بن كعب وكانت مسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الاسلام، وهو يومئذ مشركاً يضربها، حتى إذا ملَّ قال: إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلا عن ملالة فتقول: كذلك فعل الله بك فابتاعها أبوبكر فأعتقها([47]).

هكذا كان واهب الحريات، ومحرر العبيد، شيخ الاسلام الوقور، الذي عرف بين قومه، بأنه يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ولم ينغمس في إثم في جاهليته، أليف مألوف يسيل قلبه رقة ورحمة على الضعفاء والأرقاء، أنفق جزءً كبيراً من ماله في شراء العبيد، وعتقهم لله، وفي الله، قبل أن تنزل التشريعات الاسلامية المحببة في العتق، والواعدة عليه أجزل الثواب([48]).

كان المجتمع المكي يتندر بأبي بكر t الذي يبذل هذا المال كله لهؤلاء المستضعفين، أما في نظر الصديق، فهؤلاء إخوانه في الدين الجديد فكل واحد من هؤلاء لايساوي عنده مشركي الأرض وطغاتها، وبهذه العناصر وغيرها تبنى دولة التوحيد، وتصنع حضارة الاسلام الرائعة([49]) ولم يكن الصديق يقصد بعمله هذا محمدة، ولا جاهاً، ولا ديناً، وإنما كان يريد وجه الله ذا الجلال والإكرام لقد قال له أبوه ذات يوم: يابني إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالاً جلد يمنعوك، ويقومون دونك؟ فقال أبوبكر t: ياأبت إني إنما أريد ماأريد لله عز وجل، فلا عجب إذا كان الله سبحانه أنزل في شأن الصديق قرآناً يتلى الى يوم القيامة قال تعالى:

 {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى`وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى`فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى`وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى`وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى`فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى`وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى `

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى`وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى `فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى`لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى`الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى`وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى`الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى`وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى`إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى`وَلَسَوْفَ يَرْضَى`}([50]) (سورة الليل، الآيات: 5-21).

لقد كان الصديق من أعظم الناس إنفاقاً لماله فيما يرضي  الله ورسوله.

كان هذا التكافل بين أفراد الجماعة الاسلامية الأولى قمة من قمم الخير والعطاء، وأصبح هؤلاء العبيد بالاسلام، أصحاب عقيدة وفكرة يناقشون بها وينافحون عنها، ويجاهدون في سبيلها، وكان إقدام إبي بكر t على شرائهم ثم عتقهم دليلاً على عظمة هذا الدين ومدى تغلغله في نفسية الصديق t، وما أحوج المسلمين اليوم أن يحيوا هذا المثل الرفيع، والمشاعر السامية ليتم التلاحم والتعايش، والتعاضد بين أبناء الأمة التي يتعرض ابناءها للابادة الشاملة من قبل  أعداء العقيدة والدين.






يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق