إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 30 مارس 2014

760 السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2 الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة المبحث الثالث : العودة من تبوك إلى المدينة وحديث القرآن في المخلَّفين عن الغزوة وعن مسجد الضرار خامسًا: مسجد الضرار:


760

السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2

الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة

المبحث الثالث : العودة من تبوك إلى المدينة وحديث القرآن في المخلَّفين عن الغزوة وعن مسجد الضرار

خامسًا: مسجد الضرار:


وفي قصة مسجد الضرار دروس وعبر وفوائد منها:

1- الكفر ملة واحدة:

وقد تبين هذا في موقف أبي عامر الراهب من الإسلام ومن المسلمين؛ إذ غضب غضبا شديدا، وتألم لهزيمة المشركين في بدر، فأعلن عداءه للرسول, وتوجه إلى عاصمة الشرك مكة يحث أهلها على قتال المسلمين, وخرج مقاتلا معهم في أحد، وحاول تفتيت الصف الإسلامي( ) وصدق الله تعالى عندما قال: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) [الأنفال: 73].

2- محاولة التدليس على المسلمين:

حاول المنافقون أن يضفوا الشرعية على هذا البناء وأنه مسجد بنوه لأسباب مقنعة في الظاهر، ولكن لا حقيقة لها في نفوس أصحابها، فقد جاءوا يطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة في هذا البناء ليكون مسجدا قد باركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة فيه، فإذا حدث هذا فقد استقر قرارهم في تحقيق أهدافهم، وهذا أسلوب ماكر خبيث قد ينطلي على كثير من الناس( ).

3- فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين:

إن الباحث ليلاحظ مدى العناية الإلهية بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد أطلعه الله -عز وجل- على أسرار هؤلاء المنافقين وما أرادوه من تأسيس هذا المسجد، فلولا إعلام الله لرسوله لما أدرك رسول الله حقيقة نواياهم، ولصلى في البناء فأضفى عليه الشرعية وأقبل الناس يصلون فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وبذلك يحدث الاختلاط بين المنافقين وضعاف المسلمين فينفردون بهم وقد يؤثرون عليهم بالشائعات( ).

4- العلاج النبوي الحاسم:

إن ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بهدم مسجد الضرار هو التصرف الأمثل، وهذا منهج نبوي كريم سنه لقادة الأمة في القضاء على أي عمل يراد منه الإضرار بالمسلمين وتفريق كلمتهم، فالداء العضال لا يعالج بتسكينه والتخفيف منه، وإنما يعالج بحسمه وإزالة آثاره، حتى لا يتجدد ظهوره بصورة أخرى، وإن الثمار العملية، التي لمسها المسلمون على إثر تطبيق الأمر النبوي الحازم لتدلنا على أن هذه المنهجية التي نهجها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا المكر الخبيث, هي الطريقة المثلى لقمع حركة النفاق في المجتمع المسلم، فقد أصبح أمرهم بعد ذلك يتلاشى شيئا فشيئا حتى لم يبق منهم بعد لحاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا عدد قليل، ولم يعرف عنهم بعد تدمير مسجد الضرار أن قاموا بأعمال تخدم الهدف نفسه لعلمهم بنتائج العمل بعد انكشافهم( ).

5- ما يلحق بحكم مسجد الضرار:

ذكر المفسرون ما يلحق بمسجد الضرار في الحكم، فهذه بعض أقوالهم:
أ- قال الزمخشري:... وقيل كل مسجد بني مباهاة أو رياء وسمعة أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله، أو بمال غير طيب, فهو لاحق بمسجد الضرار( ).
علق الدكتور عبد الكريم زيدان على قول الزمخشري فقال: ولكن هل يلحق بمسجد الضرار فيهدم، كما هدم مسجد الضرار الذي بناه المنافقون في المدينة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه؟ لا أرى ذلك, وإنما يمكن أن يقال إن المسجد الذي بنى لهذه الأغراض يلحق بمسجد الضرار من جهة عدم ابتنائه على التقوى، والإخلاص الكامل لله تعالى( ).
ب- قال القرطبي في تفسيره: قال علماؤنا: وكل مسجد بني على ضرار أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه( ).
ج- وقال سيد قطب في تفسيره: هذا المسجد مسجد الضرار الذي اتخذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مكيدة للإسلام والمسلمين، هذا المسجد ما يزال يتخذ في صور شتى؛ يتخذ في صورة نشاط ظاهره الإسلام وباطنه لسحق الإسلام أو تشويهه... ويتخذ في صورة أوضاع ترفع لافتة الدين عليها لتتترس وراءها، وهي ترمي هذا الدين، ويتخذ في صورة تشكيلات وتنظيمات وكتب وبحوث تتحدث عن الإسلام، لتخدر القلقين الذين يرون الإسلام يُذبح ويمحق، فتخدرهم هذه التشكيلات وتلك الكتب بما توحيه لهم من أن الإسلام بخير، وأنه لا داعي للخوف أو القلق عليه( ).

6- قاعدة لمعرفة ما يلحق بالمسجد الضرار:

قال الدكتور عبد الكريم زيدان: كل ما يتخذ مما هو في ظاهره مشروع، ويريد متخذوه تحقيق غرض غير مشروع، فهو ملحق بالمسجد الضرار، لأنه يحمل روحه وعناصره( ), وإذا أردنا الإيجاز قلنا في هذه القاعدة: كل ما كان ظاهره مشروعا ويريد متخذوه الإضرار بالمؤمنين فهو ملحق بالمسجد الضرار( ).
وبناء على هذه القاعدة يخرج من نطاق مسجد الضرار وما يلحق به، ما ذكره الإمام ابن القيم من مشاهد الشرك، ومن أماكن المعاصي والفسوق كالحانات وبيوت الخمر والمنكرات ونحو ذلك؛ لأن هذه المنكرات ظاهرها غير مشروع فلا تلحق به وإن استحقت الإزالة كمسجد الضرار باعتبارها منكرات ظاهرًا وباطنًا( ).

7- مساجد الضرار في بلاد المسلمين:

لا يزال أعداء الإسلام من المنافقين والملحدين، والمبشرين (المنصِّرين) والمستعمرين, يقيمون أماكن باسم العبادة وما هي لها، وإنما المراد بها الطعن في الإسلام وتشكيك المسلمين في معتقداتهم وآدابهم، وكذلك يقيمون مدارس باسم الدرس والتعليم ليتوصلوا بها إلى بث سمومهم بين أبناء المسلمين، وصرفهم عن دينهم، وكذلك يقيمون المنتديات باسم الثقافة والغرض منها خلخلة العقيدة السليمة في القلوب, والقيم الخلقية في النفوس، ومستشفيات باسم المحافظة على الصحة والخدمة الإنسانية والغرض منها التأثير على المرضى والضعفاء وصرفهم عن دينهم, وقد اتخذوا من البيئات الجاهلة والفقيرة -لاسيما في بلاد إفريقيا- ذريعة للتوصل إلى أغراضهم الدنيئة التي لا يقرها عقل ولا شرع ولا قانون( ).
إن مسجد الضرار ليس حادثة في المجتمع الإسلامي الأول وانقضت, بل هي فكرة باقية، يخطط لها باختيار الأهداف العميقة، وتختار الوسائل الدقيقة لتنفيذها, وخططها تصب في التآمر على الإسلام وأهله بالتشويه وقلب الحقائق، والتشكيك، وزرع بذور الفتن لإبعاد الناس عن دينهم وإشغالهم بما يضرهم ويدمر مصيرهم الأخروي( ).


* * *

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق