752
السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2
الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة
المبحث الثاني : أحداث في الطريق والوصول إلى تبوك
سادسًا: بعض المعجزات التي حدثت في الغزوة:
ظهرت في غزوة تبوك معجزات منها:
1- الله تعالى يرسل السحاب لدعاء نبيه بالسقيا:
لما جاز النبي صلى الله عليه وسلم حجر ثمود، أصبح الناس ولا ماء لهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، واستسقى لمن معه من المسلمين، فأرسل الله -سبحانه وتعالى- سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجتهم من الماء، فتحدث ابن إسحاق عمن قال لمحمود بن لبيد: هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال: نعم والله، إن كان الرجل ليعرفه من أخيه، ومن أبيه، ومن عمه، وفي عشيرته، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك، ثم قال محمود: لقد أخبرني رجال من قومي، عن رجل من المنافقين معروف نفاقه، كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا، فأرسل الله السحابة، فأمطرت حتى ارتوى الناس، قالوا: أقبلنا عليه ونقول: ويحك! هل بعد هذا الشيء؟ قال: سحابة مارة( ).
2- خبر ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرًا في طريقه إلى تبوك، ضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، يقال له: عمارة بن حزم, وكان عقبيًّا بدريًّا، وهو عم بني عمرو بن حزم، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي, وكان منافقًا.
قال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة، وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس محمد يزعم أنه نبي؟ ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده: «إن رجلا قال: هذا محمد يزعم أنه يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي، في شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها» فانطلقوا حتى تأتوني بها، فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله، فقال: والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا، للذي قال زيد بن اللصيت، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي, فأقبل عمارة على زيد، يجأ في عنقه (يطعنه فيه) يقول: إليَّ عباد الله، إن في رحلي لداهية، وما أشعر، اخرج أي عدو الله( ) من رحلي فلا تصحبني، قال ابن إسحاق: فزعم بعض الناس أن زيدًا تاب بعد ذلك، وقال بعض الناس: لم يزل متهما بشر حتى هلك( ).
3- الإخبار بهبوب ريح شديدة والتحذير منها:
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في تبوك بأن ريحًا شديدة ستهب, وأمرهم بأن يحتاطوا لأنفسهم ودوابهم فلا يخرجوا حتى لا تؤذيهم، وليربطوا دوابهم حتى لا تؤذى، وتحقق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهبت الريح الشديدة وحملت من قام فيها إلى مكان بعيد( ) فقد روى مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي حميد قال: وانطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيئ( ).
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم معقبا على هذا الحديث: هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيب وخوف الضرر من القيام وقت الريح( ).
4- تكثير ماء عين تبوك والإخبار بما ستكون عليه من خصب:
قال معاذ بن جبل t: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك, وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي» فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك( ), تبض( ) بشيء من ماء، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل مسستما من مائها شيئا؟» قالا: نعم، فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء,
وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه, ثم أعاده فيها فجرت العين بماء منهمر حتى استقى الناس( ).
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانًا» ( ), لقد كانت منطقة تبوك والوادي الذي كانت فيه العين منطقة جرداء لقلة الماء، ولكن الله -عز وجل- أجرى على يد رسوله صلى الله عليه وسلم بركة تكثير هذا الماء حتى أصبح يسيل بغزارة، ولم يكن هذا آتيا لسد حاجة الجيش، بل أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيستمر وستكون هناك جنان وبساتين مملوءة بالأشجار المثمرة، ولقد تحقق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فترة قليلة من الزمن، وما زالت تبوك حتى اليوم تمتاز بجنانها وبساتينها ونخيلها وتمورها، تنطق بصدق نبوة الرسول وتشهد بأن الرسول لا يتكلم إلا صدقًا, ولا يخبر إلا حقا, ولا ينبئ بشيء إلا ويتحقق( ).
5- تكثير الطعام:
قال أبو سعيد الخدري t: لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله, لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا( ) فأكلنا وأدمنا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افعلوا»، فجاء عمر فقال: يا رسول الله, إنهم إن فعلوا قل الظَّهْر( ) ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع لهم بالبركة، لعل الله يجعل في ذلك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنطع( ) فبسطه، ثم دعاهم بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف الذرة، والآخر بكف التمر، والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع في ذلك شيء يسير، ثم دعا عليه بالبركة، ثم قال لهم: «خذوا في أوعيتكم» فأخذوا من أوعيتهم حتى ما تركوا من المعسكر وعاء إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, لا يلقى اللهَ بهما عبدٌ غير شاكٍّ فتحجب عنه الجنة»( ).
هذه بعض المعجزات والكرامات التي أظهرها الله على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك تدل على صدق نبوته ورسالته, وتدل على رفعة منزلته وتكريمه عند ربه( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق