753
السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2
الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة
المبحث الثاني : أحداث في الطريق والوصول إلى تبوك
سابعًا: حديث القرآن الكريم عن مواقف المنافقين أثناء الغزوة:
أ- قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-:
قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يومًا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطونا, ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: كذبت, ولكنك منافق, لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقا بحقب( ) ناقة رسول الله والحجارة تنكبه( )، وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟».
وفي رواية قتادة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين فقالوا: يرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات.. فأطلع الله نبيه على ذلك فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «احبسوا هؤلاء الركب»، فأتاهم فقال: قلتم كذا وقلتم كذا، قالوا: فأنزل الله فيهم ما تسمعون( ), فأنزل الله تعالى: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ? وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) [التوبة: 64-65].
والاستفهام في قوله: ( قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) استفهام إنكاري.
والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء موبخًا ومنكرًا: ألم تجدوا ما تستهزئون به في مزاحكم ولعبكم -كما تزعمون- سوى فرائض الله وأحكامه وآياته ورسوله الذي جاء لهدايتكم وإخراجكم من الظلمات إلى النور؟!
ثم بين -سبحانه- أن استهزاءهم هذا أدى بهم إلى الكفر فقال: ( لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) [التوبة: 66].
ومعنى الآية: أي لا تذكروا هذا العذر لدفع هذا الجرم، لأن الإقدام على الكفر لأجل اللعب لا ينبغي أن يكون, فاعتذاركم إقرار بذنبكم, فهو كما يقال: عذر أقبح من ذنب( ).
وقوله: ( إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) أي: إن نعف
عن بعضكم لتوبتهم وإنابتهم إلى ربهم -كمخشن بن حمير- نعذب بعضًا آخر لإجرامهم وإصرارهم عليه( ).
ب- إيذاء الرسول والمؤمنين ومحاولة اغتيال رسول الله:
وقد نزل في هؤلاء المنافقين قول الله تعالى: ( يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) [التوبة: 74].
وقد ذكر ابن كثير أن الضحاك قال: إن نفرا من المنافقين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك في بعض الليالي في حال السير, وكانوا بضعة عشر رجلا نزلت فيهم هذه الآية( ), وفي رواية الواحدي عن الضحاك: خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، فكانوا إذا خلا بعضهم إلى بعض سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وطعنوا في الدين، فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم رسول الله: «يا أهل النفاق, ما هذا الذي بلغني عنكم؟» فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك، فأنزل الله هذه الآية إكذابًا لهم( ).
والمعنى الإجمالي للآية: (يحلفون بالله أنهم ما قالوا تلك الكلمة التي نسبت إليهم، والله يكذبهم ويثبت أنهم قد قالوا كلمة الكفر التي رويت عنهم. ولم يذكر القرآن هذه الكلمة لأنه لا ينبغي ذكرها...) ( ).
* * *
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق