إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 29 مارس 2014

702 السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2 الفصل الخامس عشر: غـــــــزوة فتــــح مكـــــة (8هـ) المبحث الأول : أسبابها، والاستعداد للخروج والشروع فيه ثانيًا: الاستعداد للخروج:


702

السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2

الفصل الخامس عشر: غـــــــزوة فتــــح مكـــــة (8هـ)

المبحث الأول : أسبابها، والاستعداد للخروج والشروع فيه

ثانيًا: الاستعداد للخروج:


إن حركة النبي صلى الله عليه وسلم في بناء الدولة وتربية المجتمع وإرسال السرايا، وخروجه في الغزوات, تعلمنا كيفية التعامل مع سنة الأخذ بالأسباب, سواء كانت تلك الأسباب مادية أو معنوية، ففي غزوة الفتح نلاحظ هذه السنة واضحة في هديه صلى الله عليه وسلم؛ فعندما قرر صلى الله عليه وسلم السير لفتح مكة، حرص على كتمان هذا الأمر؛ حتى لا يصل الخبر إلى قريش فتعد العدة لمجابهته, وتصده قبل أن يبدأ في تنفيذ هدفه, وشرع في الأخذ بالأسباب الآتية لتحقيق مبدأ المباغتة:
1- أنه كتم أمره حتى عن أقرب الناس إليه:
فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمبدأ السرِّية المطلقة والكتمان الشديد حتى عن أقرب الناس إليه وهو أبو بكر ? أقرب أصحابه إلى نفسه، وزوجته عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه، فلم يعرف أحد شيئًا عن أهدافه الحقيقية, ولا باتجاه حركته, ولا بالعدو الذي ينوي قتاله؛ بدليل أن أبا بكر الصديق ? عندما سأل ابنته عائشة رضي الله عنها عن مقصد الرسول صلى الله عليه وسلم قالت له: ما سمى لنا شيئًا. وكانت أحيانًا تصمت، وكلا الأمرين يدل على أنها لم تعلم شيئًا عن مقصده صلى الله عليه وسلم( ).
ويستنبط من هذا المنهج النبوي الحكيم أنه ينبغي للقادة العسكريين أن يخفوا خططهم عن زوجاتهم؛ لأنهن ربما يذعن شيئًا من هذه الأسرار -عن حسن نية- فتتنقلها الألسن حتى تصير سببًا في حدوث كارثة عظيمة( ).
2- أنه بعث سرية بقيادة أبي قتادة إلى بطن إضم:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم قبل مسيرة مكة سرية مكونة من ثمانية رجال؛ وذلك لإسدال الستار على نياته الحقيقية، وفي ذلك يقول ابن سعد: (لما همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم( ) ليظن ظان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية؛ ولأن تذهب بذلك الأخبار، فمضوا ولم يلقوا جمعًا، فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خُشُب( ) فبلغهم أن رسول الله قد توجه إلى مكة، فأخذوا على (بيبين) حتى لقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالسُّقيا( )) ( ).
وهذا منهج نبوي حكيم في توجيه القادة من بعده إلى وجوب أخذ الحذر وسلوك ما يمكن من أساليب التضليل على الأعداء والإيهام التي من شأنها صرف أنظار الناس عن معرفة مقاصد الجيوش الإسلامية التي تخرج من أجل الجهاد في سبيل الله حتى تحقق أهدافها وتسلم من كيد أعدائها( ).
3- أنه بعث العيون لمنع وصول المعلومات إلى الأعداء:
بث صلى الله عليه وسلم رجال استخبارات الدولة الإسلامية داخل المدينة وخارجها حتى لا تنتقل أخباره إلى قريش, وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنقاب( )، فكان عمر بن الخطاب ? يطوف على الأنقاب قيمًا بهم فيقول: لا تدعوا أحدا يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه.. إلا من سلك إلى مكة فإنه يتحفظ به ويسأل عنه أو ناحية مكة( ).
إن جمع المعلومات سلاح ذو حدين، وقد استفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من حدِّه النافع لصالح المسلمين, وأبطل مفعول الحد الآخر باتباعه السرِّية واتخاذها أساسًا لتحركاته واستعداداته؛ ليحرم عدوه من الحصول على المعلومات التي تفيده في الاستعداد لمجابهة هذا الجيش بالقوة المناسبة( ).
4- دعاؤه صلى الله عليه وسلم بأخذ العيون والأخبار عن قريش:
وبعد أن أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب البشرية التي في استطاعته توجه إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع قائلا: «اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة ولا يسمعوا بنا إلا فجأة»( ).
وهذا شأن النبي صلى الله عليه وسلم في أموره؛ يأخذ بجميع الأسباب البشرية، ولا ينسى التضرع والدعاء لرب البرية ليستمد منه التوفيق والسداد.
5- إحباط محاولة تجسس حاطب لصالح قريش:
عندما أكمل النبي صلى الله عليه وسلم استعداده للسير إلى فتح مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى أهل مكة يخبرهم فيه نبأ تحرك النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وأرسله مع امرأة مسافرة إلى مكة، ولكن الله -سبحانه وتعالى- أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي على هذه الرسالة، فقضى صلى الله عليه وسلم على هذه المحاولة وهي في مهدها، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا والزبير والمقداد فأمسكوا بالمرأة في روضة خاخ على بعد اثني عشر ميلا من المدينة، وهددوها أن يفتشوها إن لم تخرج الكتاب فسلمته لهم, ثم استدعي حاطب ? للتحقيق, فقال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقًا في قريش -يقول: كنت حليفًا- ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقكم».
فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرًا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم( )، فأنزل الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) [الممتحنة: 1].
ويقول الأستاذ سيد قطب: على الرغم من كل ما ذاق المهاجرون من العنت والأذى من قريش فقط ظلت بعض النفوس تود لو وقعت بينهم وبين أهل مكة المحاسنة والمودة، وأن لو انتهت هذه الخصومة القاسية التي تكلفهم قتال أهليهم وذوي قرابتهم، وتقطع ما بينهم وبينهم من صلات، وكأن الله يريد استقصاء هذه النفوس واستخلاصها من كل هذه الوشائج، وتجريدها لدينه وعقيدته ومنهجه... فكان يأخذهم يوما بعد يوم بعلاجه الناجع البالغ، بالأحداث والتعقيب على الأحداث ليكون العلاج على مسرح الأحداث, وليكون الطرق والحديد ساخن( ).


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق