756
السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2
الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة
المبحث الثالث : العودة من تبوك إلى المدينة وحديث القرآن في المخلَّفين عن الغزوة وعن مسجد الضرار
ثانيًا: المخلفون الذين ليس لهم أعذار شرعية وتاب الله عليهم:
جاءت ثلاث آيات تتحدث عن هؤلاء المخلفين وهي:
1- قوله تعالى: ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [التوبة: 102].
ومعنى الآية الكريمة: أن هؤلاء الجماعة تخلفوا عن الغزو لغير عذر مسوغ للتخلف ثم ندموا على ذلك، ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة كما اعتذر المنافقون, بل تابوا واعترفوا بالذنب ورجوا أن يتوب الله عليهم, والمراد بالعمل الصالح: ما تقدم من إسلامهم وقيامهم بشرائع الإسلام وخروجهم إلى الجهاد في سائر المواطن, والمراد بالعمل السيئ: هو تخلفهم عن هذه الغزوة، وقد أتبعوا هذا العمل السيئ عملا صالحا وهو الاعتراف به والتوبة عنه.
وأصل الاعتراف الإقرار بالشيء. ومجرد الإقرار لا يكون توبة إلا إذا اقترن به الندم على الماضي والعزم على تركه في الحال والاستقبال، وقد وقع منهم ما يفيد هذا، ومعنى الخلط أنهم خلطوا كل واحد منهما بالآخر, كقولك: خلطت الماء باللبن واللبن بالماء.
وفي قوله: ( عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) دليل على أنه قد وقع منهم -مع الاعتراف- ما يفيد التوبة، أو مقدمة التوبة -وهي الاعتراف- قامت مقام التوبة, وحرف الترجي وهو (عسى) هو في كلام الله –سبحانه- يفيد تحقيق الوقوع لأن الإطماع من الله سبحانه إيجاب؛ لكونه أكرم الأكرمين ( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) أي: يغفر الذنوب ويتفضل على عباده( ).
2- قوله تعالى: ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
[التوبة: 106].
والمراد بهؤلاء المرجون -كما في الصحيحين- هلال بن أمية، وكعب بن مالك, ومرارة ابن الربيع، وكانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ما -مع الهمّ باللحاق به عليه الصلاة والسلام- فلم يتيسر لهم, ولم يكن تخلفهم عن نفاق –وحاشاهم- فقد كانوا من المخلصين, فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان ما كان من المتخلفين قالوا: لا عذر لنا إلا الخطيئة, ولم يعتذروا له صلى الله عليه وسلم ولم يفعلوا كما فعل أهل السواري( ), وأمر رسول الله باجتنابهم، وشدد الأمر
عليهم كما سنعلمه إن شاء الله تعالى، وقد وقف أمرهم خمسين ليلة لا يدرون ما الله -تعالى- فاعل بهم( ).
3- قال تعالى: ( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [التوبة: 118].
والمراد بهؤلاء الثلاثة هم هلال بن أمية، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع, وفيهم نزلت هذه الآية( ), وسوف نتحدث عن هذه القصة -بإذن الله- بنوع من التفصيل لما فيها من الدروس والعبر والحكم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق