إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 29 مارس 2014

706 السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2 الفصل الخامس عشر: غـــــــزوة فتــــح مكـــــة (8هـ) المبحث الثاني : خطة النبي صلى الله عليه وسلم لدخول مكة وفتحها ثالثًا: إعلان العفو العام:



706


السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2

الفصل الخامس عشر: غـــــــزوة فتــــح مكـــــة (8هـ)

المبحث الثاني : خطة النبي صلى الله عليه وسلم لدخول مكة وفتحها

ثالثًا: إعلان العفو العام:


1- نال أهل مكة عفوًا عامًّا رغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، ورغم قدرة الجيش الإسلامي على إبادتهم, وقد جاء إعلان العفو عنهم وهم مجتمعون قرب الكعبة ينتظرون حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم, فقال: «ما تظنون أني فاعل بكم؟» فقالوا: خيرًا أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ، فقال:  ( لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ ) [يوسف:92]( ).
وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل أو السبي, وإبقاء الأموال المنقولة والأراضي بيد أصحابها, وعدم فرض الخراج عليها، فلم تعامل مكة كما عوملت المناطق الأخرى المفتوحة عنوة؛ لقدسيتها وحرمتها، فإنها دار النسك, ومتعبد الخلق, وحرم الرب تعالى، لذلك ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز بيع أراضي مكة ولا إجارة بيوتها؛ فهي مناخ لمن سبق، يسكن أهلها فيما يحتاجون إلى سكناه من دورها، وما فضل عن حاجتهم فهو لإقامة الحجاج والمعتمرين والعباد القاصدين، وذهب آخرون إلى جواز بيع أراضي مكة وإجارة بيوتها، وأدلتهم قوية في حين أن أدلة المانعين مرسلة وموقوفة( ).
2- إهدار النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الدماء:
إلى جانب ذلك الصفح الجميل كان هناك الحزم الأصيل, الذي لا بد أن تتصف به القيادة الحكيمة الرشيدة، ولذلك استثنى قرار العفو الشامل بضعة عشر رجلا أمر بقتلهم، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة؛ لأنهم عظمت جرائمهم في حق الله ورسوله، وحق الإسلام، ولما كان يخشاه منهم من إثارة الفتنة بين الناس بعد الفتح( ).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقد جمعت أسماءهم من متفرقات الأخبار، وهم: عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نقيد -مصغرًا- ومقيس بن حبابة،  وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن خطل: فرتني وقريبة، وسارة مولاة بني عبد المطلب، وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلال الخزاعي, وذكر الحاكم أن فيمن أهدر دمه كعب بن زهير، ووحشي بن حرب، وهند بنت عتبة( ).
ومن هؤلاء من قُتل، ومنهم من جاء مسلمًا تائبًا فعفا عنه الرسول، وحسُن إسلامه( ).
3- خطبة النبي صلى الله عليه وسلم غداة الفتح وإسلام أهل مكة:
وفي غداة الفتح بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن خزاعة حلفاءه عدت على رجل من هذيل فقتلوه - وهو مشرك- برجل قتل في الجاهلية، فغضب وقام بين الناس خطيبًا فقال: «يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا، ولا يعضد –يقطع- فيها شجرًا, لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد يكون بعدي, ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبًا على أهلها، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس, فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا: إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم.
يا معشر خزاعة, ارفعوا أيديكم عن القتل, فلقد كثر أن يقع، لقد قتلتم قتيلا لأدينَّه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين، إن شاءوا فدم قاتله، وإن شاءوا فعقله»( ).
كان من أثر عفو النبي صلى الله عليه وسلم الشامل عن أهل مكة، والعفو عن بعض من أهدر دماءهم، أن دخل أهل مكة -رجالاً ونساء وأحرارًا وموالي- في دين الله طواعية واختيارًا، وبدخول مكة تحت راية الإسلام دخل الناس في دين الله أفواجا، وتمت النعمة، ووجب الشكر( ) وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جميعا الرجال والنساء، والكبار والصغار, وبدء بمبايعة الرجال، فقد جلس لهم على الصفا، فأخذ عليهم البيعة على الإسلام والسمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، وجاء مجاشع بن مسعود بأخيه مجالد بعد يوم الفتح فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، فقال عليه الصلاة والسلام: «ذهب أهل الهجرة بما فيها» فقال: على أي شيء تبايعه؟ قال: «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد»( ).
وقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية( ) وإذا استنفرتم فانفروا» والمراد أن الهجرة التي كانت واجبة من مكة قد انتهت بفتح مكة، فقد عز الإسلام، وثبت أركانه ودعائمه، ودخل الناس فيه أفواجا، أما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، أو من بلد لا يقدر أن يقيم فيه دينه ويظهر شعائره, إلى بلد يتمكن فيه من ذلك, فهي باقية إلى يوم القيامة، ولكن هذه دون تلك، فقد تكون واجبة، وقد تكون غير واجبة، كما أن الجهاد والإنفاق في سبيل الله مشروع وباقٍ إلى يوم القيامة، ولكنه ليس كالإنفاق ولا الجهاد قبل فتح مكة, قال عز شأنه( ): ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) [الحديد: 10].
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال بايع النساء، وفيهن هند بنت عتبة متنقبة متنكرة، على ألا يشركن بالله شيئا, ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصين في معروف، ولما قال النبي: «ولا يسرقن» قالت هند: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بنيَّ فهل عليَّ من حرج إذا أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال لها صلى الله عليه وسلم: «خذي من ماله ما يكفيك وبنيك بالمعروف», ولما قال: «ولا يزنين» قالت هند: وهل تزني الحرة؟ ولما عرفها رسول الله قال لها: «وإنك لهند بنت عتبة؟» قالت: نعم، فاعف عما سلف عفا الله عنك.
وقد بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير مصافحة، فقد كان لا يصافح النساء، ولا يمس يد امرأة إلا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لا والله، ما مست يد رسول الله يد امرأة قط) وفي رواية: ما كان يبايعهن إلا كلاما ويقول: «إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة»( ).


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق