إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 30 مارس 2014

744 السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2 الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة المبحث الأول: تاريخ الغزوة، وأسماؤها وأسبابها رابعًا: موقف المنافقين من غزوة تبوك:



744


السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2

الفصل السابع عشر: غزوة تبوك (9هـ), وهي غزوة العسرة

المبحث الأول: تاريخ الغزوة، وأسماؤها وأسبابها

رابعًا: موقف المنافقين من غزوة تبوك:

عندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم النفير ودعا إلى الإنفاق في تجهيز هذه الغزوة، أخذ المنافقون في تثبيط همم الناس قائلين لهم: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله تعالى فيهم: ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن يُّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ? فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [التوبة: 81-82].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في جهازه لتبوك، للجد بن قيس: «يا جد, هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟» فقال: يا رسول الله أوتأذن لي ولا تفتني؟ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «قد أذنت لك» ففيه نزلت الآية: ( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) [التوبة: 49]. وذهب بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مبدين أعذارًا كاذبة ليأذن لهم بالتخلف، فأذن لهم, فعاتبه الله بقوله: ( عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) [التوبة: 43].

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسًا منهم يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم من أحرق عليهم بيت سويلم( ).
وهذا يدل على مراقبة المسلمين الدقيقة ومعرفتهم بأحوال المنافقين واليهود، فقد كانت عيون المسلمين يقظة تراقب تحركات اليهود والمنافقين، واجتماعاتهم وأوكارهم، بل كانوا يطلعون فيها على أدقِّ أسرارهم واجتماعاتهم وما يدور فيها من حبك المؤامرات, وابتكار أساليب التثبيط, واختلاق الأسباب الكاذبة لإقناع الناس بعدم الخروج للقتال، وقد كان علاج رسول الله لدعاة الفتنة وأوكارها حازما حاسما، إذ أمر بحرق البيت على من فيه من المنافقين، وأرسل من أصحابه من ينفذه, ونفذ بحزم, وهذا منهج نبوي كريم يتعلم منه كل مسئول في كل زمان ومكان كيف يقف من دعاة الفتنة ومراكز الشائعات المضللة التي تلحق الضرر بالأفراد والمجتمعات والدول؛ لأن التردد في مثل هذه الأمور يعرض الأمن والأمان إلى الخطر وينذر بزوالها( ).
لقد تحدث القرآن الكريم عن موقف المنافقين قبل الغزوة وأثناءها وبعدها, ومما جاء من حديث القرآن الكريم عن موقف المنافقين قبل غزوة تبوك ما يتضمن استئذانهم، وتخلفهم عن الخروج، وكان ممن تخلف عبد الله بن أبيّ ابن سلول, وقد تحدث القرآن عنهم فقال تعالى: ( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) [التوبة: 42]. فقد بين -سبحانه وتعالى- موقف المنافقين وأنهم تخلفوا بسبب بعد المسافة وشدتها، وأنه لو كان الذي دعوتهم إليه يا محمد عرضًا من أعراض الدنيا ونعيمها وكان السفر سهلا لاتبعوك في الخروج، ولكنهم تخلفوا ولم يخرجوا, فالآية تشرح وتوضح ملابسات موقفهم قبل الخروج إلى الغزوة، وأسباب هذا الموقف, ثم حكى –سبحانه- ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من هذه الغزوة: ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ). كان نزول هذه الآية قبل رجوعه صلى الله عليه وسلم من تبوك. والمعنى: وسيحلف هؤلاء المنافقون بالله -كذبًا وزورًا- قائلين: لو استطعنا -أيها المؤمنون- أن نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا، فإننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التي حملتنا على التخلف( ).

وقوله -سبحانه-: ( يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ). قال ابن عاشور: أي يحلفون مهلكين أنفسهم -أي موقعينها في الهلك, والهلك: الفناء والموت- ويطلق على الأضرار الجسمية وهو المناسب هنا أي يتسببون في ضر أنفسهم بالأيمان الكاذبة وهو ضر الدنيا وعذاب الآخرة, وفي هذه الآية دلالة على أن تعمد اليمين الفاجرة يفضي إلى الهلاك( ).

ثم عاتب الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: ( عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ).
قال مجاهد( ): نزلت هذه الآية في أناس قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا, وهؤلاء هم فريق من المنافقين، منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول، والجد بن قيس، ورفاعة بن التابوت، وكانوا تسعا وثلاثين واعتذروا بأعذار كاذبة( ).
والآية الكريمة عتاب لطيف من اللطيف الخبير -سبحانه- لحبيبه صلى الله عليه وسلم على ترك الأولى, وهو التوقف عن الإذن إلى انجلاء الأمر وانكشاف الحال( ) ثم قال تعالى: ( لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ أَن يُّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ? إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ) [التوبة: 44-45].
هذه الآيات أول ما نزل في التفرقة بين المنافقين والمؤمنين في القتال( )، فبين –سبحانه- أنه ليس من شأن المؤمنين بالله واليوم الآخر الاستئذان وترك الجهاد في سبيل الله، وإنما هذا من صفات المنافقين الذين يستأذنون من غير عذر, وصفهم –سبحانه- بقوله: ( وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ) أي: شكت في صحة ما جئتهم به، وقوله ( فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ) أي: يتحيرون يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى وليست لهم قدم ثابتة في شيء( ).
لقد كانت غزوة تبوك منذ بداية الإعداد لها مناسبة للتمييز بين المؤمنين والمنافقين، وضحت فيها الحواجز بين الطرفين، ولم يعد هناك أي مجال للتستر على المنافقين أو مجاملتهم, بل أصبحت مجابهتهم أمرًا ملحًّا بعد أن عملوا كل ما في وسعهم لمجابهة الرسول والدعوة، وتثبيط المسلمين عن الاستجابة للنفير الذي أعلنه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والذي نزل به القرآن الكريم، بل وأصبح الكشف عن نفاق المنافقين، وإيقافهم عند حدهم واجبًا شرعيًّا( ).



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق