733
السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2
الفصل السادس عشر : غــزوة حنين والطـــائف (8هـ)
المبحث الثالث : دروس وعبر وفوائـــــــد
ثالثًا: الأحكام المستنبطة من غزوة حنين والطائف:
1- نزول الآية الكريمة ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ ) [النساء: 24] في يوم أوطاس لبيان حكم المسبيات المتزوجات، وقد فرق السبي بينهن وبين أزواجهن، فأوضحت الآية جواز وطئهن إذا انقضت عدتهن، لأن الفرقة تقع بينهن وبين أزواجهن الكفار بالسبي وتنقضي العدة بالوضع للحامل وبالحيض لغير الحامل( ).
2- منع المخنثين خلقة من الدخول على النساء الأجنبيات: وكان ذلك مباحًا إذ لا حاجة للمخنث بالنساء, وكان سبب المنع ما رواه البخاري عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة، دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعته يقول لعبد الله بن أمية: يا عبد الله, أرأيت إن فتح الله عليك الطائف غدًا، فعليك بابنة غيلان؛ فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخلن هؤلاء عليكم»( ).
وفي هذا المنع حرص النبي صلى الله عليه وسلم على سلامة أخلاق المجتمع الإسلامي.
3- النهي عن قصد قتل النساء والأطفال والشيوخ والأجراء ممن لا يشتركون في القتال ضد المسلمين: وقد ذكر ابن كثير أن رسول الله مر يوم حنين بامرأة قتلها خالد بن الوليد والناس متقصفون( ) عليها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كانت هذه لتقاتل» وقال لأحدهم: «الحق خالدًا فقل له لا يقتلن ذرية ولا عسيفًا»( ), وفي رواية: «فقل له إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدًا أو امرأة أو عسيفًا»( ).
4- تشريع العمرة من الجعرانة: أحرم النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة من الجعرانة، وكان داخلا إلى مكة وهذه هي السنَّة لمن دخلها من طريق الطائف وما يليه، وأما ما يفعله كثير مما لا علم عندهم من الخروج من مكة إلى الجعرانة ليحرم منها بعمرة ثم يرجع إليها فهذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا استحبه أحد من أهل العلم، وإنما يفعله عوام الناس زعموا أنه اقتداء بالنبي وغلطوا، فإنه إنما أحرم منها داخلا إلى مكة ولم يخرج منها إلى الجعرانة ليحرم منها( ).
5- إرشاده للأعرابي بأن يصنع في العمرة ما يصنع في الحج:
قال يعلى بن منبه: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة، وعليها خلوق( ) -أو قال: أثر صفرة- فقال: كيف تأمرني أصنع في عمرتي؟ قال: وأُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فستر بثوب, وكان يعلى يقول: وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الوحي عليه, قال: فرفع عمر طرف الثوب عنه فنظرت إليه، فإذا له غطيط (قال) فلما سري عنه قال: «أين السائل عن العمرة؟ اغسل عنك الصفرة -أو قال: أثر الخلوق- واخلع عنك جبتك، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك» ( ).
6- من قتل قتيلاً فله سلبه: قال أبو قتادة: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله, فأسرعت إلى الذي يختله فرفع ليضربني وأضرب يده فقطعتها, ثم أخذني فضمني ضمًّا شديدًا حتى تخوفت, ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته, وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله, ثم تراجع الناس إلى رسول الله، فقال رسول الله: «من أقام بينة على قتيل قتله، فله سلبه»، فقمت لألتمس بينة قتيلي فلم أر أحدًا يشهد لي فجلست, ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه, فقال أبو بكر: كلا لا يعطه( ) أصيبغ من قريش ويدع( ) أسدًا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إليَّ فاشتريت منه خرافًا( ), فكان أول مال تأثلته في الإسلام( ).
ونلحظ في هذا الخبر أن أبا قتادة الأنصاري t حرص على سلامة أخيه المسلم، وقتل ذلك الكافر بعد جهد عظيم، كما أن موقف الصديق t فيه دلالة على حرصه على إحقاق الحق، والدفاع عنه, ودليل على رسوخ إيمانه وعمق يقينه وتقديره لرابطة الأخوة الإسلامية وأنها بمنزلة رفيعة بالنسبة له( ).
7- النهي عن الغلول: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من سنام بعير من الغنائم، فجعلها بين إصبعيه ثم قال: «أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه، إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخياط والمخيط, وإياكم والغلول، فإن الغلول عار، ونار، وشنار على أهله في الدنيا والآخرة»( ).
ولما سمع الناس هذا الزجر بما فيه من وعيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أشفقوا على أنفسهم وخافوا خوفا شديدًا فجاء أنصاري بكبة خيط من خيوط شعر، فقال: يا رسول الله, أخذت هذه الوبرة لأخيط بها برذعة بعير لي دبر، فقال له صلى الله عليه وسلم: «أما حقي منها، وما كان لبني عبد المطلب فهو لك», فقال الأنصاري: أما إذا بلغ الأمر فيها ذلك فلا حاجة لي بها, فرمى بها من يده( ).
وأما عقيل بن أبي طالب فقد دخل على امرأته فاطمة بنت شيبة يوم حنين، وسيفه ملطخ دمًا، فقال لها: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك، فدفعها إليها, فسمع المنادي
يقول: من أخذ شيئًا فليرده، حتى الخياط والمخيط, فرجع عقيل فأخذ الإبرة من امرأته، فألقاها في الغنائم( ).
وهذا التشديد في النهي عن الغلول، وتبشيعه بهذه الصورة الشائهة المرعبة، ولو كان في شيء تافه لا يلتفت إليه، يمثل معلما من أهم معالم المنهج النبوي في تربية الأفراد على ما ينبغي أن يكون عليه الفرد المسلم في حياته العملية, إيمانًا وأمانة, وفي التزام الأفراد بهذا التوجيه يتطهر المجتمع المسلم من رذيلة الخيانة، لأن التساهل في صغيرها يقود إلى كبيرها، والخيانة من أرذل الأخلاق الإنسانية التي لا تليق بالمجتمع المسلم( ).
8- وفاء نذر كان في الجاهلية:
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكافًا فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بوفائه( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق