714
السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2
الفصل الخامس عشر: غـــــــزوة فتــــح مكـــــة (8هـ)
المبحث الثالث : دروس وعبر وفوائد
أولا: مواقف دعوية وقدرة رفيعة في التعامل مع النفوس:
3- إسلام عكرمة بن أبي جهل:
قال عبد الله بن الزبير ?: قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمِّنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو آمن», فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت على حيٍّ من عكٍّ( ) فاستغاثتهم عليه فأوثقوه رباطًا، وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر، فجعل نُوتيَّ السفينة يقول له: أخلص، فقال: أي شيء أقول؟ قال: قل لا إله إلا الله، قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام، فجعلت تلح عليه وتقول: يا ابن عم، جئتك من عند أوصل الناس, وأبرّ الناس, وخير الناس، لا تهلك نفسك. فوقف لها حتى أدركته فقالت: إني قد استأمنت لك محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم، أنا كلمته فأمنك. فرجع معها وقال: ما لقيتِ من غلامك الرومي؟ فخبرته خبره فقتله عكرمة، وهو يومئذ لم يسلم، فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت».
قال: وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها، فتأبى عليه، وتقول: إنك كافر وأنا مسلمة، فيقول: إن أمرًا منعك مني لأمر كبير، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عكرمة وثب إليه -وما على النبي صلى الله عليه وسلم رداء- فرحا بعكرمة، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف بين يديه، وزوجته متنقبة، فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت، فأنت آمن» فقال عكرمة: فإلامَ تدعو يا محمد؟ قال: «أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل» حتى عد خصال الإسلام، فقال عكرمة: والله ما دعوت إلا إلى الحق وأمر حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا، ثم قال عكرمة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول الله علمني خير شيء أقوله، قال: «تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله» قال عكرمة: ثم ماذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقول: أشهد الله وأُشهد من حضر أني مسلم مهاجر ومجاهد» فقال عكرمة ذلك.
فقال رسول الله: «لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدًا إلا أعطيتكه» فقال عكرمة: فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها، أو مسير وضعت فيه، أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له ما نال مني من عرض، في وجهي أو وأنا غائب عنه» فقال عكرمة: رضيت يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل الإسلام إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً كنت أقاتل في صدّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله, ثم اجتهد في القتال حتى قُتل شهيدًا( ).
وبعد أن أسلم ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته له بذلك النكاح الأول( ).
كان سلوك النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع عكرمة لطيفًا حانيًا يكفي وحده لاجتذابه إلى الإسلام، فقد أعجل نفسه عن لبس ردائه، وابتسم له ورحب به, وفي رواية قال له: «مرحبا بالراكب المهاجر»( ) فتأثر عكرمة من ذلك الموقف فاهتزت مشاعره وتحركت أحاسيسه، فأسلم، كما كان لموقف أم حكيم بنت الحارث بن هشام أثر في إسلام زوجها، فقد أخذت له الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وغامرت بنفسها تبحث عنه لعل الله يهديه إلى الإسلام كما هداها إليه، وعندما أرادها زوجها امتنعت عنه وعللت ذلك بأنه كافر وهي مسلمة، فعظم الإسلام في عينه وأدرك أنه أمام دين عظيم، وهكذا خطت أم حكيم في فكر عكرمة بداية التفكير في الإسلام ثم توج بإسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صادقًا في إسلامه, فلم يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم دنيا, وإنما سأله أن يغفر الله تعالى له كل ما وقع فيه من ذنوب ماضية، ثم أقسم أمام النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحمل نفسه على الإنفاق في سبيل الله تعالى بضعف ما كان ينفق في الجاهلية، وأن يبلي في الجهاد في سبيل الله بضعف ما كان يبذله في الجاهلية، ولقد بر بوعده فكان من أشجع المجاهدين والقادة في سبيل الله تعالى في حروب الردة ثم في فتوح الشام حتى وقع شهيدًا في معركة اليرموك بعد أن بذل نفسه وماله في سبيل الله( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق