إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 28 مارس 2014

685 السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2 الفصل الرابع عشر: أهم الأحداث ما بين الحديبية وفتح مكة المبحث الثالث :عمـــــرة القضــــــاء ثانيًا: دخول مكة والطواف والسعي:


685

السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2

الفصل الرابع عشر: أهم الأحداث ما بين الحديبية وفتح مكة 

المبحث الثالث :عمـــــرة القضــــــاء

ثانيًا: دخول مكة والطواف والسعي:


ومن بطن يأجج تابع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره نحو مكة على راحلته القصواء، فدخلها من الثنية التي تطلعه على الحجون, والمسلمون حوله متوشحون سيوفهم محدقون به كل جانب، يسترونه من المشركين مخافة أن يؤذوه بشيء، وأصواتهم تعج بالتلبية لله العلي الكبير( ).
هذه التلبية الجماعية التي تعج أصوات المسلمين بها، والتي لم تنقطع منذ أن أحرموا واستمرت حتى دخلوا مكة، فقد كان للتلبية مغزى ومعنى، فهي تعلن التوحيد وترفع شعاره، وتعني إبطال الشرك وإسقاط رايته، وتعلن الحمد والثناء على الله الذي مكنهم من أداء هذا النسك( ).. فهذه بعض معاني تلبية المسلم بقوله: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
وكان عبد الله بن رواحة آخذًا بزمام راحلته وهو يرتجز بشعره:
خلوا فكل الخير في رسوله
        خلوا بني الكفار عن سبيله

أعرف حق الله في قبوله
        يا رب إني مؤمن بقيله

ويذهل الخليل عن خليله( )
        ضربًا يزيل الهم عن مقيله

وكان مظهرًا دعويًّا مؤثرًا عندما بدأ الموكب النبوي الكريم يقترب من بيوت مكة المكرمة، وأبنيتها شاقًّا طريقه باتجاه الكعبة المشرفة, وهم في مظهرهم المهيب، وأصواتهم تشق عنان السماء بالتلبية، فقد ذكرت معظم كتب السير والمغازي أن قسمًا من أهالي مكة خرج إلى رءوس الجبال لينظر إلى المسلمين من الأماكن العالية، والقسم الأكبر وقف عند دار الندوة المجاورة للكعبة الشريفة آنذاك، ليشاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أثناء دخولهم مكة المكرمة، وبيت الله الحرام( ).
وكان المشركون قد أطلقوا شائعة ضد المسلمين مفادها أنهم وهنتهم( ) حمى يثرب, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين( ), لكي يرى المشركون قوتهم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت الحرام واضطبع( ) بردائه فأخرج عضده اليمنى وشرع في الطواف, وأصحابه يتابعونه ويقتدون به. ولما رأى المشركون ذلك قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا( ).
وقد قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة التي فعلها عند دخوله المسجد الحرام وهي الاضطباع والهرولة، ورفع الأصوات بالتلبية، أن يرهب قريشًا، وأن يظهر لها قوة المسلمين وعزيمتهم وتمسكهم بدينهم، ومناعة جبهتهم، وقد أثر هذا الأسلوب في نفوس المشركين( ), وبهذا الأسلوب النبوي الكريم أغاظ الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين وكايدهم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يتقرب إلى الله بمكايدتهم وإغاظتهم، ففي غزوة أحد أذن صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة أن يمشي متبخترًا أمام المشركين لإظهار عزة المؤمن؛ ولأن ذلك يغيظ المشركين، وزيادة في إغاظتهم كان يلبس العصابة الحمراء دون أن ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك. وفي غزوة الحديبية ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهدي جمل أبي جهل الذي غنمه في بدر، ليراه المشركون فيزدادوا غيظًا حين يذكرون مصارع قتلاهم وذل أسراهم, وها هو ذا صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين في عمرة القضاء بإظهار التجلد والهرولة لإغاظتهم ومكايدتهم ورد كيدهم في نحورهم( ), وقد ذكر ابن القيم: (بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكيد المشركين بكل ما يستطيع)( ).
فهذه حرب نفسية شنها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين وقد أتت أكلها، ولقد أقام الرسول في مكة ثلاثة أيام، ومعه المسلمون يرفعون راية التوحيد، ويطوفون بالبيت العتيق، ويرفعون الأذان ويقيمون الصلاة ويصلي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس في جماعة، وكان بلال بن رباح بصوته الندي يرفع الأذان من على ظهر الكعبة، فكان وقعه على المشركين كالصاعقة( ).
ولم ينس صلى الله عليه وسلم مجموعة الحراسة التي كانت تحرس الأسلحة والعتاد بأن يرسل من يقوم بمهمتهم ممن طاف وسعى مكانهم, ويأتي هؤلاء ليؤدوا النسك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع نفوس يدرك حقيقة شوقها لبيت الله الحرام، وما جاءت للمرة الثانية وقطعت هذه المسافة الشاسعة إلا لتنال هذا الشرف، وتبل هذا الظمأ، فتطوف مع الطائفين وتسعى مع الساعين، فعمل صلى الله عليه وسلم على مراعاة النفوس، وساعدها ولبى مطالبها من أجل إصلاحها والرقي بها، إنه من منهج النبوة في التربية( ).


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق