678
السيرة النبوية:عرض وقائع وتحليل أحداث ج 2
الفصل الرابع عشر: أهم الأحداث ما بين الحديبية وفتح مكة
المبحث الثاني : دعوة الملوك والأمـــــراء
ثانيًا: دروس وعبر وفوائد:
2- اعتبارات حكيمة خاصة بالملوك:
في رسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم للملوك فوارق دقيقة مؤسسة على حكمة الدعوة, روعي فيها ما يمتاز به هؤلاء الملوك في العقائد التي يدينون بها, (والخلفيات) التي يمتازون بها، فلما كان هرقل والمقوقس يدينان بألوهية المسيح كليًّا أو جزئيًّا، وكونه ابن الله، جاءت في الكتابين اللذين وجها إليهما كلمة (عبد الله) مع اسم النبي صلى الله عليه وسلم صاحب هاتين الرسالتين، فيبتدئ الكتابان بعد التسمية بقوله: «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» وبقوله: «من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط» بخلاف ما جاء في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أبرويز, فاكتفى بقوله: «من رسول الله إلى عظيم الفرس». وجاءت كذلك آية ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 64] في هذين الكتابين، وما جاءت في كتابه إلى كسرى أبرويز لأن الآية تخاطب أهل الكتاب الذين دانوا بألوهية المسيح، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم، وقد كان هرقل إمبراطور الدولة البيزنطية والمقوقس حاكم مصر قائدين سياسين، وزعيمين دينيين كبيرين للعالم المسيحي، مع اختلاف يسير في الاعتقاد في المسيح هل له طبيعة أم طبيعتان( ).
ولما كان كسرى أبرويز وقومه يعبدون الشمس والنار، ويدينون بوجود إلهين، أحدهما يمثل الخير وهو يزدان، والثاني يمثل الشر وهو أهرمن، وكانوا بعيدين عن مفهوم النبوة والتصور الصحيح للرسالة السماوية، جاءت في الكتاب الذي وجه إلى الإمبراطور الإيراني عبارة: «وأني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيًّا»( ).
وقد كان تلقي الملوك لهذه الرسائل يختلف, فأما هرقل والنجاشي والمقوقس، فتأدبوا، وتلطفوا في جوابهم وأكرم (النجاشي والمقوقس رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأرسل المقوقس هدايا منها جاريتان كانت إحداهما مارية أم إبراهيم ابن رسول الله، وأما كسرى إبرويز فلما قرئ عليه الكتاب مزقه وقال: (يكتب إليَّ هذا وهو عبدي؟) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مزق الله ملكه»( ).
وأمر كسرى باذان وهو حاكمه على اليمن بإحضاره، فأرسل بابويه يقول له: إن ملك الملوك قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي, فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله( ).
وقد تحقق ما أنبأ به رسول الله بكل دقة، فقد استولى على عرشه ابنه (قباذ) الملقب بـ (شرويه) وقتل كسرى ذليلا مهانًا بإيعاز منه سنة 628م، وقد تمزق ملكه بعد وفاته، وأصبح لعبة في أيدي أبناء الأسرة الحاكمة، فلم يعش (شرويه) إلا ستة أشهر، وتوالى على عرشه مدة أربع سنوات عشرة ملوك، واضطرب حبل الدولة إلى أن اجتمع الناس على (يزدجرد) وهو آخر ملوك بني ساسان، وهو الذي واجه الزحف الإسلامي الذي أدى إلى انقراض الدولة الساسانية التي دامت وازدهرت أكثر من أربعة قرون انقراضًا كليًّا، وكان ذلك في سنة 637م، وهكذا تحققت هذه النبوءة في ظرف ثماني سنين( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق