3754
البداية والنهاية ( ابن كثير )
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وستمائة
فيها: عاثت الخوارزمية حين قدموا مع جلال الدين بن خوارزم شاه من بلاد غزنة مقهورين من التتار إلى بلاد خوزستان ونواحي العراق، فأفسدوا فيه وحاصروا مدنه ونهبوا قراه.
وفيها: استحوذ جلال الدين بن خوارزم شاه على بلاد أذربيجان وكثيراً من بلاد الكرج، وكسر الكرج وهم في سبعين ألف مقاتل، فقتل منهم عشرين ألفاً من المقاتلة، واستفحل أمره جداً، وعظم شأنه، وفتح تفليس، فقتل منها ثلاثين ألفاً.
وزعم أبو شامه: أنه قتل من الكرج سبعين ألفاً في المعركة، وقتل من تفليس تمام المائة ألف، وقد اشتغل بهذه الغزوة عن قصد بغداد، وذلك أنه لما حاصر دقوقا سبه أهلها ففتحها قسراً وقتل من أهلها خلقاً كثيراً، وخرب سورها وعزم على قصد الخليفة ببغداد لأنه فيم زعم عمل على أبيه حتى هلك، واستولت التتر على البلاد.
وكتب إلى المعظم بن العادل يستدعيه لقتال الخليفة ويحرضه على ذلك، فامتنع المعظم من ذلك، ولما علم الخليفة بقصد جلال الدين بن خوارزم شاه بغداد انزعج لذلك، وحصن بغداد واستخدم الجيوش والأجناد، أنفق في الناس ألف ألف دينار، وكان جلال الدين قد بعث جيشاً إلى الكرج فكتبوا إليه:
أن أدركنا قبل أن نهلك عن آخرنا، وبغداد ما تفوت، فسار إليهم وكان من أمره ما ذكرنا.
وفيها: كان غلاء شديد بالعراق والشام بسبب قلة الأمطار وانتشار الجراد، ثم أعقب ذلك فناء كثير بالعراق والشام أيضا، فمات بسببه خلق كثير في البلدان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفاة الخليفة الناصر لدين الله وخلافة ابنه الظاهر
لما كان يوم الأحد آخر يوم من شهر رمضان المعظم من هذه السنة، توفي الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله.
أبي المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله.
أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله.
أبي عبد الله أحمد بن المقتدي بأمر الله.
أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله.
أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله.
أبي العباس أحمد بن الموفق أبي أحمد بن محمد المتوكل أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله.
أبي العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله.
أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق.
أبي أحمد بن محمد المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي محمد بن عبد الله أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي العباسي، أمير المؤمنين، ولد ببغداد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وبويع له بالخلافة بعد موت أبيه سنة خمس وسبعين وخمسمائة. (ج/ص: 13/125)
وتوفي في هذه السنة وله من العمر تسع وستون سنة وشهران وعشرون يوماً، وكانت مدة خلافته سبعا وأربعين سنة إلا شهرا، ولم يقم أحد من الخلفاء العباسيين قبله في الخلافة هذه المدة الطويلة، ولم تطل مدة أحد من الخلفاء مطلقا أكثر من المستنصر العبيدي، أقام بمصر حاكماً ستين سنة، وقد انتظم في نسبه أربعة عشر خليفة، وولي عهد على ما رأيت، وبقية الخلفاء العباسيين كلهم من أعمامه وبني عمه.
وكان مرضه قد طال به وجمهوره من عسار البول، مع أنه كان يجلب له الماء من مراحل عن بغداد ليكون أصفى، وشق ذكره مرات بسبب ذلك، ولم يغن عنه هذا الحذر شيئاً، وكان الذي ولي غسله محيي الدين بن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي، وصلى عليه ودفن في دار الخلافة.
ثم نقل إلى الترب من الرصافة في ثاني ذي الحجة من هذه السنة، وكان يوماً مشهوداً.
قال ابن الساعي: أما سيرته فقد تقدمت في الحوادث.
وأما ابن الأثير في كامله فإنه قال: وبقي الناصر لدين الله ثلاث سنين عاطلاً من الحركة بالكلية، وقد ذهبت إحدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصاراً ضعيفاً، وآخر الأمر أصابه دوسنطارية عشرين يوماً ومات.
وزر له عدة وزراء، وقد تقدم ذكرهم، ولم يطلق في أيام مرضه ما كان أحدثه من الرسوم الجائرة، وكان قبيح السيرة في رعيته، ظالما لهم، فخرب في أيامه العراق، وتفرق أهله في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل الشيء وضده، فمن ذلك أنه عمل دوراً للإفطار في رمضان، ودورا لضيافة الحجاج، ثم أبطل ذلك.
وكان قد أسقط مكوساً ثم أعادها، وجعل جل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة.
قال ابن الأثير: وإن كان ما ينسبه العجم إليه صحيحاً من أنه هو الذي أطمع التتار في البلاد وراسلهم فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب عظيم.
قلت: وقد ذكر عنه أشياء غريبة، من ذلك أنه كان يقول للرسل الوافدين عليه: فعلتم في مكان كذا وكذا، وفعلتم في الموضع الفلاني، كذا حتى ظن بعض الناس أو أكثرهم أنه كان يكاشف أو أن جنيا يأتيه بذلك، والله أعلم.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق