إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1276 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن


1276
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص نائب الحرمين‏:‏ إني أسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يصرفك عما يرديك، بلغني أنك قد عزمت على الشخوص إلى العراق، وإني أعيذك الله من الشقاق، فإنك إن كنت خائفاً فأقبل إليّ، فلك عندي الأمان والبر والصلة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/177‏)‏

فكتب إليه الحسين‏:‏ إن كنت أردت بكتابك بري وصلتي فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة، وأنه لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، وخير الأمان أمان الله، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أماناً يوم القيامة عنده‏.‏

قالوا‏:‏ وكتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكة، وأحسبه قد جاءه رجال من أهل المشرق فمنوه الخلافة، وعندك منهم خبر وتجربة، فإن كان قد فعل فقد قطع راسخ القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة‏.‏

وكتب لهذه الأبيات إليه وإلى من بمكة والمدينة من قريش‏:‏

يا أيها الراكب العادي مطيته * على غدافرةٍ في سيرها فحم

أبلغ قريشاً على نأي المزار بها * بيني وبين حسين الله والرحم

وموقف بفناء البيت أنشده * عهد الإله وما توفي به الذمم

عنيتم قومكم فخراً بأمكم * أم لعمري حصان برة كرم

هي التي لا يداني فضلها أحدٌ * بنت الرسول وخير الناس قد علموا

وفضلها لكم فضل وغيركم * من قومكم لهم في فضلها قسم

إني لأعلم أو ظناً كعالمه * والظن يصدق أحياناً فينتظم

أن سوف يترككم ما تدعون بها * قتلى تهاداكم العقبان والرخم

يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ مسكت * ومسكوا بحبال السلم واعتصموا

قد جرب الحرب من قد كان قبلكم * من القرون وقد باذت بها الأمم

فانصفوا قومكم لا تهلكوا برحاً * فرب ذي برحٍ زلت به القدم

قال‏:‏ فكتب إليه ابن عباس‏:‏ إني لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما تجتمع به الألفة وتطفي به الثائرة‏.‏

ودخل ابن عباس على الحسين فكلمه طويلاً وقال له‏:‏ أنشدك أن تهلك غداً بحال مضيعة لا تأتي العراق، وإن كنت لا بد فاعلاً فأقم حتى ينقضي الموسم وتلقى الناس وتعلم ما يصدرون، ثم ترى رأيك، وذلك في عشر ذي الحجة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/178‏)‏

فأبى الحسين إلا أن يمضي إلى العراق، فقال له ابن عباس‏:‏ والله إني لأظنك ستقتل غداً بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته، والله إني لأخاف أن تكون أنت الذي يقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

فقال له الحسين‏:‏ أبا العباس إنك شيخ قد كبرت‏.‏

فقال له ابن عباس‏:‏ لولا أن يزري ذلك بي وبك لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أنا إذا تباصينا أقمت لفعلت، ولكن لا أخال ذلك مانعك‏.‏

فقال الحسين‏:‏ لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إليّ من أن أقتل بمكة وتستحل بي‏.‏

قال‏:‏ فبكى ابن عباس وقال‏:‏ أقررت عين ابن الزبير بذلك، وذلك الذي سلى نفسي عنه‏.‏

قال‏:‏ ثم خرج ابن عباس عنه وهو مغضب وابن الزبير على الباب، فلما رآه قال‏:‏ يا ابن الزبير قد أتى ما أحببت، قرت عينك، هذا أبو عبد الله خارج ويتركك والحجاز، ثم قال‏:‏

يالكِ من قنبرةٍ بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري * صيادك اليوم قتيل فأبشري

قال‏:‏ وبعث الحسين إلى المدينة يقدم عليه من خفّ من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوته وبناته ونسائه، وتبعهم محمد بن الحنفية، فأدرك حسيناً بمكة، فأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا‏.‏

فأبى الحسين أن يقبل، فحبس محمد بن الحنفية ولده فلم يبعث أحداً منهم حتى وجد الحسين في نفسه على محمد، وقال‏:‏ ترغب بولدك عن موضع أُصاب فيه‏؟‏

فقال‏:‏ وما حاجتي إلى أن تصاب ويصابون معك‏؟‏

وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم‏؟‏

قالوا‏:‏ وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجهاً إليهم في أهل بيته وستين شخصاً من أهل الكوفة صحبته، وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة‏.‏

فكتب مروان إلى ابن زياد‏:‏ أما بعد فإن الحسين بن علي قد توجه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء، ولا تنساه العامة، ولا تدع ذكره آخر الدهر، والسلام‏.‏

وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص‏:‏ أما بعد فقد توجه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترق كما يسترق العبيد‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه‏.‏

قال‏:‏ كتب يزيد إلى ابن زياد‏:‏ إنه قد بلغني أن حسيناً قد سار إلى الكوفة، وقد ابتلى به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت أنت به من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما ترق العبيد وتعبّد، فقتله ابن زياد وبعث برأسه إليه‏.‏

قلت‏:‏ والصحيح أنه لم يبعث برأس الحسين إلى الشام كما سيأتي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/179‏)‏

وفي رواية‏:‏ أن يزيد كتب إلى ابن زياد‏:‏ قد بلغني أن الحسين قد توجه إلى نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس واحبس على الظنة وخذ على التهمة، غير أن لا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إليّ في كل ما يحدث من خبر والسلام‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏ وحدثني محمد بن الضحاك قال‏:‏ لما أراد الحسين الخروج من مكة إلى الكوفة مر بباب المسجد الحرام وقال‏:‏

لا ذعرت السوام في فلق الصبح * مغيراً ولا دعيت يزيدا

يوم أعطي مخافة الموت ضيماً * والمنايا ترصدنني أن أحيدا

وقال أبو مخنف‏:‏ قال أبو جناب يحيى بن أبي خيثمة‏:‏ عن عدي بن حرملة الأسدي، عن عبد الله بن سليم، والمنذر بن المشمعل الأسديين قالا‏:‏ خرجنا حاجين من الكوفة فقدمنا مكة فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين وابن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين‏:‏ إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر فوازرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك‏؟‏

فقال الحسين‏:‏ إن أبي حدثني أن لها كبشاً يستحل حرمتها يقتل، فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش‏.‏

فقال له ابن الزبير‏:‏ فأقم إن شئت وولني أنا الأمر فتطاع ولا تعصى‏.‏

فقال‏:‏ وما أريد هذا أيضاً‏.‏

ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا، فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دُعَاةَ الناس متوجهين إلى منى عند الظهيرة‏.‏

قالا‏:‏ فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصَّر من شعره، وحل من عمرته، ثم توجه نحو الكوفة وتوجهنا نحن مع الناس إلى منى‏.‏

وقال أبو مخنف‏:‏ حدثني الحارث بن كعب الوالبي، عن عقبة بن سمعان‏.‏

قال‏:‏ لما خرج الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد - يعني‏:‏ نائب مكة - عليهم أخوه يحيى بن سعيد، فقالوا له‏:‏ انصرف أين تريد‏؟‏

فأبى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط والعصي، ثم إن حسيناً وأصحابه امتنعوا منهم امتناعاً قوياً، ومضى الحسين على وجهه ذلك، فناداه‏:‏ يا حسين ألا تتقي الله‏؟‏

تخرج من الجماعة وتفرق بين الأمة بعد اجتماع الكلمة‏؟‏

قال‏:‏ فتأول الحسين هذه الآية‏:‏ ‏{‏لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 41‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/180‏)‏

قال‏:‏ ثم إن الحسين مر بالتنعيم فلقي بها عيراً قد بعث بها بجير بن زياد الحميري نائب اليمن قد أرسلها من اليمن إلى يزيد بن معاوية، عليها ورس وحلل كثيرة، فأخذها الحسين وانطلق بها، واستأجر أصحاب الجمال عليها إلى الكوفة، ودفع إليهم أجرتهم‏.‏

ثم ساق أبو مخنف بإسناده الأول‏:‏ أن الفرزدق لقي الحسين في الطريق فسلم عليه وقال له‏:‏ أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب‏.‏

فسأله الحسين عن أمر الناس وما وراءه فقال له‏:‏ قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء‏.‏

فقال له‏:‏ صدقت، لله الأمر من قبل ومن بعد، يفعل ما يشاء، وكل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعدّ من كان الحق نيته، والتقوى سريرته، ثم حرك الحسين راحلته وقال‏:‏ السلام عليكم ثم افترقا‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق