إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1353 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن وهذه ترجمة ابن زياد


1353
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

 وهذه ترجمة ابن زياد

هو عبيد الله بن زياد بن عبيد، المعروف‏:‏ بابن زياد بن أبي سفيان، ويقال له‏:‏ زياد بن أبيه، وابن سمية، أمير العراق بعد أبيه زياد‏.‏

وقال ابن معين‏:‏ ويقال له عبيد الله بن مرجانة وهي أمه‏.‏

وقال غيره‏:‏ وكانت مجوسية، وكنيته أبو حفص، وقد سكن دمشق بعد يزيد بن معاوية، وكانت له دار عند الديماس تعرف بعده بدار ابن عجلان، وكان مولده في سنة تسع وثلاثين فيما حكاه ابن عساكر عن أبي العباس أحمد بن يونس الضبي‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ وروى الحديث عن معاوية، وسعد بن أبي وقاص، ومعقل بن يسار‏.‏

وحدث عنه الحسن البصري، وأبو المليح بن أسامة‏.‏

وقال أبو نعيم الفضل ابن دكين‏:‏ ذكروا أن عبيد الله بن زياد حين قتل الحسين كان عمره ثمانياً وعشرين سنة‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا يكون مولده سنة ثلاث وثلاثين فالله أعلم‏.‏

وقد روى ابن عساكر‏:‏ أن معاوية كتب إلى زياد‏:‏ أن أوفد إليَّ ابنك، فلما قدم عليه لم يسأله معاوية عن شيء إلا نفذ منه، حتى سأله عن الشعر فلم يعرف منه شيئاً، فقال له‏:‏ ما منعك من تعلم الشعر‏؟‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني كرهت أن أجمع في صدري مع كلام الرحمن كلام الشيطان‏.‏

فقال معاوية‏:‏ اغرب فوالله ما منعني من الفرار يوم صفين إلا قول ابن الأطنابة حيث يقول‏:‏

أبت لي عفتي وأبي بلائي * وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وإعطائي على الإعدام مالي * وإقدامي على البطل المشيح

وقولي كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريح

لأدفع عن مآثر صالحاتٍ * وأحمي بعد عن إنفٍ صحيح

ثم كتب إلى أبيه‏:‏ أن روِّه من الشعر، فرواه حتى كان لا يسقط عنه منه شيء بعد ذلك، ومن شعره بعد ذلك‏:‏

سيعلم مروان بن نسوة أنني * إذا التقت الخيلان أطعنها شزراً

وإني إذا حل الضيوف ولم أجد * سوى فرسي أو سعته لهم نحراً

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/313‏)‏

وقد سأل معاوية يوماً أهل البصرة عن ابن زياد فقالوا‏:‏ إنه لظريف ولكنه يلحن‏.‏

فقال‏:‏ أوليس اللحن أظرف له‏؟‏

قال ابن قتيبة وغيره‏:‏ إنما أرادوا أنه يلحن في كلامه، أي‏:‏ يلغز، وهو ألحن بحجته كما قال الشاعر في ذلك‏:‏

منطقٌ رائعٌ ويلحن أحياناً * وخير الحديث ما كان لحناً

وقيل‏:‏ إنهم أرادوا أنه يلحن في قوله لحناً وهو ضد الإعراب‏.‏

وقيل‏:‏ أرادوا اللحن الذي هو ضد الصواب وهو الأشبه والله أعلم‏.‏

فاستحسن معاوية منه السهولة في الكلام وأنه لم يكن ممن يتعمق في كلامه ويفخمه، ويتشدق فيه‏.‏

وقيل‏:‏ أرداوا أنه كانت فيه لكنة من كلام العجم، فإن أمه مرجانة كانت سيروية وكانت بنت بعض ملوك الأعاجم يزدجرد أو غيره، قالوا‏:‏ وكان في كلامه شيء من كلام العجم‏.‏

قال يوماً لبعض الخوارج‏:‏ أهروري أنت‏؟‏ يعني‏:‏ أحروري أنت‏؟‏

وقال يوماً‏:‏ من كاتلنا كاتلناه، أي‏:‏ من قاتلنا قاتلناه، وقول معاوية‏:‏ ذاك أظرف له، أي‏:‏ أجود له حيث نزع إلى أخواله، وقد كانوا يوصفون بحسن السياسة وجودة الرعاية ومحاسن الشيم‏.‏

ثم لما مات زياد سنة ثلاث وخمسين ولى معاوية على البصرة سمرة بن جندب سنة ونصفاً، ثم عزله وولى عليها عبد الله بن عمرو بن غيلان بن سلمة ستة أشهر، ثم عزله وولى عليها ابن زياد سنة خمس وخمسين‏.‏

فلما تولى يزيد الخلافة جمع له بين البصرة والكوفة، فبنى في إمارة يزيد البيضاء، وجعل باب القصر الأبيض الذي كان لكسرى عليها‏.‏

وبنى الحمراء وهي على سكة المربد، فكان يشتي في الحمراء ويصيف في البيضاء‏.‏

قالوا‏:‏ وجاء رجل إلى ابن زياد فقال‏:‏ أصلح الله الأمير إن امرأتي ماتت، وإني أريد أن أتزوج أمها‏.‏

فقال له‏:‏ كم عطاؤك في الديوان‏؟‏

فقال‏:‏ سبعمائة‏.‏

فقال‏:‏ يا غلام حط من عطائه أربعمائة‏.‏

ثم قال له‏:‏ يكفيك من فقهك هذا ثلاثمائة‏.‏

قالوا‏:‏ وتخاصمت أم الفجيج وزوجها إليه وقد أحبت المرأة أن تفارق زوجها‏.‏

فقال أبو الفجيج‏:‏ أصلح الله الأمير إن خير شطري الرجل آخره، وإن شر شطري المرأة آخرها‏.‏

فقال‏:‏ وكيف ذلك‏؟‏

فقال‏:‏ إن الرجل إذا أسن اشتد عقله واستحكم رأيه وذهب جهله، وإن المرأة إذا أسنت ساء خلقها وقل عقلها وعقم رحمها واحتد لسانها‏.‏

فقال‏:‏ صدقت خذ بيدها وانصرف‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ أمر ابن زياد لصفوان بن محرز بألفي درهم فسرقت، فقال‏:‏ عسى أن يكون خيراً‏.‏

فقال أهله‏:‏ كيف يكون هذا خيراً‏؟‏ فبلغ ذلك ابن زياد فأمر له بألفين آخرين، ثم وجد الألفين فصارت أربعة آلاف فكان خيراً‏.‏

وقيل‏:‏ لهند بنت أسماء بن خارجة - وكانت قد تزوجت بعده أزواجاً من نواب العراق - من أعز أزواجك عندك وأكرمهم عليك‏؟‏

فقالت‏:‏ ما أكرم النساء أحد إكرام بشير بن مروان، ولا هاب النساء هيبة الحجاج بن يوسف، ووددت أن القيامة قد قامت فأرى عبيد الله بن زياد واشتفي من حديثه والنظر إليه - وكان أتى عذارتها وقد تزوجت بالآخرين أيضاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/314‏)‏

وقال عثمان بن أبي شيبة‏:‏ عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال‏:‏ أول من جهر بالمعوذتين في الصلاة المكتوبة ابن زياد، قلت‏:‏ يعني‏:‏ والله أعلم في الكوفة، فإن ابن مسعود كان لا يكتبهما في مصحفه وكان فقهاء الكوفة عن كبراء أصحاب ابن مسعود يأخذون والله أعلم‏.‏

وقد كانت في ابن زياد جرأة وإقدام ومبادرة إلى ما لا يجوز، وما لا حاجة له به، لما ثبت في الحديث الذي رواه أبو يعلى ومسلم، كلاهما عن شيبان بن فروخ، عن جرير، عن الحسن أن عائذ بن عمرو دخل على عبيد الله بن زياد فقال‏:‏ أي بني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال له‏:‏ اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال‏:‏ وهل كان فيهم نخالة‏؟‏ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم‏.‏

وقد روى غير واحد عن الحسن أن عبيد الله بن زياد دخل على معقل بن يسار يعوده فقال له‏:‏ إني محدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما من رجل استرعاه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ذكر غير واحد أنه لما مات معقل صلى عليه عبيد الله بن زياد ولم يشهد دفنه، واعتذر بما ليس يجدي شيئاً وركب إلى قصره، ومن جراءته إقدامه على الأمر بإحضار الحسين إلى بين يديه وإن قتل دون ذلك، وكان الواجب عليه أن يجيبه إلى سؤاله الذي سأله فيما طلب من ذهابه إلى يزيد أو إلى مكة أو إلى أحد الثغور‏.‏

فلما أشار عليه شمر بن ذي الجوشن بأن الحزم أن يحضر عندك وأنت تسيره بعد ذلك إلى حيث شئت من هذه الخصال أو غيرها، فوافق شمراً على ما أشار به من إحضاره بين يديه فأبى الحسين أن يحضر عنده ليقضي فيه بما يراه ابن مرجانة‏.‏

وقد تعس وخاب وخسر، فليس لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر بين يدي ابن مرجانة الخبيث‏.‏

وقد قال محمد بن سعد‏:‏ أنبأنا الفضل بن دكين، ومالك بن إسماعيل قالا‏:‏ حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عبد الملك بن كردوس، عن حاجب عبيد الله بن زياد قال‏:‏ دخلت معه القصر حين قتل الحسين قال‏:‏ فاضطرم في وجهه ناراً أو كلمة نحوها‏.‏

فقال‏:‏ بكمه هكذا على وجهه وقال‏:‏ لا تحدثن بها أحداً‏.‏

وقال شريك‏:‏ عن مغيرة قال‏:‏ قالت مرجانة لابنها عبيد الله‏:‏ يا خبيث قتلت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ لا ترى الجنة أبداً‏.‏

وقد قدمنا أن يزيد بن معاوية لما مات بايع الناس في المصرين لعبيد الله حتى يجتمع الناس على إمام، ثم خرجوا عليه فأخرجوه من بين أظهرهم، فسار إلى الشام فاجتمع بمروان، وحَسُنَ له أن يتولى الخلافة ويدعو إلى نفسه ففعل ذلك، وخالف الضحاك بن قيس، ثم انطلق عبيد الله إلى الضحاك بن قيس فما زال به حتى أخرجه من دمشق إلى مرج راهط‏.‏

ثم حَسُنَ له أن دعا إلى بيعة نفسه وخلع ابن الزبير ففعل، فانحل نظامه ووقع ما وقع بمرج راهط، من قتل الضحاك وخلق معه هنالك، فلما تولى مروان أرسل ابن زياد إلى العراق في جيش فالتقى هو جيش التوابين مع سليمان بن صرد فكسرهم، واستمر قاصداً الكوفة في ذلك الجيش، فتعوق في الطريق بسبب من كان يمانعه من أهل الجزيرة من الأعداء الذين هم من جهة ابن الزبير‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/315‏)‏

ثم اتفق خروج ابن الأشتر إليه في سبعة آلاف، وكان مع ابن زياد أضعاف ذلك، ولكن ظفر به ابن الأشتر فقتله شر قتلة على شاطئ نهر الخازر قريباً من الموصل بخمس مراحل‏.‏

قال أبو أحمد الحاكم‏:‏ وكان ذلك يوم عاشوراء‏.‏

قلت‏:‏ وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين، ثم بعث ابن الأشتر برأسه إلى المختار ومعه رأس الحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع وجماعة من رؤساء أصحابهم، فسر بذلك المختار‏.‏

فقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدثني يوسف بن موسى بن جرير، عن يزيد بن أبي زياد قال‏:‏ لما جيء برأس ابن مرجانة وأصحابه طرحت بين يدي المختار فجاءت حية رقيقة ثم تخللت الرؤوس حتى دخلت في فم ابن مرجانة وخرجت من منخره، ودخلت في منخره وخرجت من فمه، وجعلت تدخل وتخرج من رأسه من بين الرؤوس‏.‏

ورواه الترمذي من وجه آخر بلفظ آخر فقال‏:‏ حدثنا واصل بن عبد الأعلا بن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير‏.‏

قال‏:‏ لما جيء برأس عبيد الله وأصحابه فنصبت في المسجد فيالرحبة، فانتهيت إليها وهم يقولون‏:‏ قد جاءت قد جاءت، فإذا حية قد جاءت تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد، فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا‏:‏ قد جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثة‏.‏

قال الترمذي‏:‏ وهذا حديث حسن صحيح‏.‏

وقال أبو سليمان بن زيد‏:‏ وفي سنة ست وستين، قالوا فيها‏:‏ قتل ابن زياد والحصين بن نمير، وليّ قتلهما إبراهيم بن الأشتر، وبعث برأسيهما إلى المختار فبعث بهما إلى ابن الزبير، فنصبت بمكة والمدينة‏.‏

وهكذا حكى ابن عساكر، عن أبي أحمد الحاكم وغيره أن ذلك كانت في سنة ست وستين‏.‏

زاد أبو أحمد في يوم عاشوراء، وسكت ابن عساكر عن ذلك‏.‏

والمشهور أن ذلك كانت في سنة سبع وستين كما ذكره ابن جرير وغيره، ولكن بعث الرؤوس إلى ابن الزبير في هذه السنة متعذر لأن العداوة كانت قد قويت وتحققت بين المختار وابن الزبير في هذه السنة‏.‏

وعما قليل أمر ابن الزبير أخاه مصعباً أن يسير إلى البصرة إلى الكوفة لحصار المختار وقتاله والله أعلم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق