إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 30 مارس 2015

1378 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن وهذه ترجمة مصعب بن الزبير


1378
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

 وهذه ترجمة مصعب بن الزبير

وهو مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله القرشي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/350‏)‏

ويقال له‏:‏ أبو عيسى أيضاً الأسدي، وأمه كرمان بنت أنيف الكلبية، كان من أحسن الناس وجهاً، وأشجعهم قلباً، وأسخاهم كفاً‏.‏

وقد حكى عن عمر بن الخطاب، وروى عن أبيه الزبير، وسعد، وأبي سعيد الخدري‏.‏

وروى عنه الحكم بن عيينة، وعمرو بن دينار الجمحي، وإسماعيل أبي خالد‏.‏

ووفد على معاوية، وكان ممن يجالس أبا هريرة، وكان من أحسن الناس وجهاً‏.‏

حكى الزبير بن بكار‏:‏ أن جميلاً نظر إليه وهو واقف بعرفة فقال‏:‏ إن ههنا فتى أكره أن تراه بثينة‏.‏

وقال الشعبي‏:‏ ما رأيت أميراً على منبر قط أحسن منه، وكذا قال إسماعيل بن خالد‏.‏

وقال الحسن‏:‏ هو أجمل أهل البصرة‏.‏

وقال الخطيب البغدادي‏:‏ ولي إمرة العراقين لأخيه عبد الله حتى قتله عبد الملك بمسكن بموضع قريب من أوانا على نهر دجيل عند دير الجاثليق، وقبره إلى الآن معروف هناك‏.‏

وقد ذكرنا صفة مقتله المختار بن أبي عبيد، وأنه قتل في غداة واحدة من أصحاب المختار سبعة آلاف‏.‏

قال الواقدي‏:‏ لما قتل مصعب المختار طلب أهل القصر من أصحاب المختار من مصعب الأمان فأمنهم، ثم بعث إليهم عباد بن الحصين فجعل يخرجهم ملتفين، فقال له رجل‏:‏ الحمد لله الذي نصركم علينا وابتلانا بالأسر، يا ابن الزبير من عفا عفا الله عنه، ومن عاقب لا يأمن القصاص، نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم، وقد قدرت فاسمح واعف عنا‏.‏

قال‏:‏ فرقّ لهم مصعب وأراد أن يخلي سبيلهم، فقام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وغيره من كل قبيلة فقالوا‏:‏ قد قتلوا أولادنا وعشائرنا وجرحوا منا خلقاً، اخترنا أو اخترهم، فأمر حينئذ بقتلهم‏.‏

فنادوا بأجمعهم‏:‏ لا تقتلنا واجعلنا مقدمتك في قتال عبد الملك بن مروان، فإن ظفرنا فلكم، وإن قتلنا لا نقتل حتى نقتل منهم طائفة، وكان الذي تريد، فأبى ذلك مصعب‏.‏

فقال له مسافر‏:‏ اتق الله يا مصعب، فإن الله عز وجل أمرك أن لا تقتل نفساً مسلمة بغير نفس، وإن ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً‏}‏‏[‏النساء‏:‏ 93‏]‏‏.‏

فلم يسمع له بل أمر بضرب رقابهم جميعهم، وكانوا سبعة آلاف نفس، ثم كتب مصعب إلى ابن الأشتر أن أجبني فلك الشام وأعنة الخيل، فسار ابن لأشتر إلى مصعب‏.‏

وقيل‏:‏ إن مصعباً لما قدم مكة أتى عبد الله بن عمر فقال‏:‏ أي عم‏:‏ إني أسألك عن قوم خلعوا الطاعة وقاتلوا حتى غلبوا تحصنوا وسألوا الأمان فأعطوه، ثم قتلوا بعد ذلك‏.‏

فقال‏:‏ وكم هم‏؟‏

فقال‏:‏ خمسة آلاف، فسبح ابن عمر واسترجع وقال‏:‏ لو أن رجلاً أتى ماشية الزبير فذبح منها خمسة آلاف ماشية في غداة واحدة ألست تعده مسرفاً‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أفتراه إسرافاً في البهائم ولا تراه إسرافاً في من ترجو توبته‏؟‏ يا ابن أخي أصب من الماء البارد ما استطعت في دنياك‏.‏

ثم إن مصعباً بعث برأس المختار إلى أخيه بمكة، وتمكن مصعب في العراق تمكناً زائداً، فقرر بها الولايات والعمال‏.‏

وحظي عنده ابن الأشتر فجعله على الوفادة، ثم رحل مصعب إلى أخيه بمكة فأعلمه بما فعل فأقره على ما صنع، إلا ابن الأشتر لم يمض له ما جعله عليه، وقال له‏:‏ أتراني أحب الأشتر وهو الذي جرحني هذه الجراحة‏.‏

ثم استدعى بمن قدم مع مصعب من أهل العراق فقال لهم‏:‏ والله لوددت أن لي بكل رجلين منكم رجلاً من أهل الشام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/351‏)‏

فقال له أبو حاجز الأسدي - وكان قاضي الجماعة بالبصرة -‏:‏ إن لنا ولكم مثلاً قد مضى يا أمير المؤمنين، وهو ما قال الأعشى‏:‏

علقتها عرضاً وعلقت رجلاً * غيري وعلق أخرى غيرها الرجل

قلت كما قيل أيضاً‏:‏

جننا بليلى وهي جنت بغيرنا * وأخرى بنا مجنونةٌ لا نريدها

علقناك يا أمير المؤمنين وعلقت أهل الشام وعلق أهل الشام إلى مروان، فما عسينا أن نصنع‏؟‏

قال الشعبي‏:‏ ما سمعت جواباً أحسن منه‏.‏

وقال غيره‏:‏ وكان مصعب من أشد الناس محبة للنساء وقد أمضى من ذلك شيئاً كثيراً، كما روى أنه اجتمع عند الحجر الأسود جماعة منهم ابن عمر، ومصعب بن الزبير، فقالوا‏:‏ ليقم كل واحد منكم وليسأل من الله حاجته‏.‏

فسأل ابن عمر المغفرة، وسأل مصعب أن يزوجه الله سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وكانتا من أحسن النساء في ذلك الزمان، وأن يعطيه الله إمرة العراقين، فأعطاه الله ذلك، تزوج بعائشة بنت طلحة وكان صداقها مائة ألف دينار، وكانت باهرة الجمال جداً، وكان مصعب أيضاً جميلاً جداً وكذلك بقية زوجاته‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ عن عبد الرحمن بن أبي زناد، عن أبيه قال‏:‏ اجتمع في الحجر مصعب، وعروة، وابن الزبير، وابن عمر‏.‏

فقال عبد الله بن الزبير‏:‏ أما أنا فأتمنى الخلافة‏.‏

وقال عروة‏:‏ أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم‏.‏

وقال مصعب‏:‏ أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين‏.‏

وقال عبد الله بن عمر‏:‏ أما أنا فأتمنى المغفرة‏.‏

قال‏:‏ فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر الله له‏.‏

وقال عامر الشعبي‏:‏ بينما أنا جالس إذ دعاني الأمير مصعب بن الزبير فأدخلني دار الإمارة ثم كشف فإذا وراءه عائشة بنت طلحة، فلم أر منظراً أبهى ولا أحسن منها‏.‏

فقال‏:‏ أتدري من هذه‏؟‏

فقلت‏:‏ لا‏.‏

فقال‏:‏ هذه عائشة بنت طلحة‏.‏

ثم خرجت فقالت‏:‏ من هذا الذي أظهرتني عليه‏؟‏

قال‏:‏ هذا عامر الشعبي‏.‏

قالت‏:‏ فأطلق له شيئاً‏.‏

فأطلق لي عشرة آلاف درهم‏.‏

قال الشعبي‏:‏ فكان أول من مال ملكته‏.‏

وحكى الحافظ ابن عساكر‏:‏ أن عائشة بنت طلحة تغضبت مرة على مصعب فترضّاها بأربعمائة ألف درهم، فأطلقتها هي للمرأة التي أصلحت بينهما‏.‏

وقيل‏:‏ إنه أهديت له نخلة من ذهب ثمارها من صنوف الجواهر المثمنة، فقومت بألفي ألف دينار، وكانت من متاع الفرس فأعطاها لعائشة بنت طلحة‏.‏

وقد كان مصعب من أجود الناس وأكثرهم عطاء، لا يستكثر ما يعطي ولو كان ما عساه أن يكون فكانت عطاياه للقوي والضعيف، والوضيع والشريف متقاربة، وكان أخوه عبد الله يبخل‏.‏

وروى الخطيب البغدادي في ‏(‏تاريخه‏)‏‏:‏ أن مصعباً غضب مرة على رجل فأمر بضرب عنقه‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/352‏)‏

فقال له الرجل‏:‏ أعز الله الأمير ‏!‏ ما أقبح بمثلي أن يقوم يوم القيامة فيتعلق بأطرافك هذه الحسنة، وبوجهك هذا الذي يستضاء به، فأقول‏:‏ يا رب سل مصعباً فيم قتلني‏.‏

فعفا عنه، فقال الرجل‏:‏ أعز الله الأمير إن رأيت ما وهبتني من حياتي في عيش رضي، فأطلق له مائة ألف‏.‏

فقال الرجل‏:‏ إني أشهدك أن نصفها لابن قيس الرقيات حيث يقول فيك‏:‏

إنّ مصعباً شهابٌ من الله * تجلت عن وجهه الظلماء

ملكه ملك رحمةٍ ليس فيه * جبروتٌ منه ولا كبرياء

يتقي الله في الأمور * وقد أفلح من كان همه الاتقاء

وفي رواية أنه قال له‏:‏ أيها الأمير قد وهبتني حياة، فإن استطعت أن تجعل ما قد وهبتني من الحياة في عيش رضي وسعة فافعل، فأمر له بمائة ألف‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة، ثنا علي بن يزيد قال‏:‏ بلغ مصعباً، عن عريف الأنصاري شيء فهَمَّ به، فدخل عليه أنس بن مالك فقال له‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏استوصوا بالأنصار خيراً‏)‏‏)‏ - أو قال‏:‏ ‏(‏‏(‏معروفاً‏)‏‏)‏ - ‏(‏‏(‏اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم‏)‏‏)‏‏.‏

فألقى مصعب نفسه عن سريره وألصق خده بالبساط وقال‏:‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين فتركه‏.‏

ومن كلام مصعب في التواضع أنه قال‏:‏ العجبُ من ابن آدم كيف يتكبر وقد جرى في مجرى البول مرتين‏.‏

وقال محمد بن يزيد المبرد‏:‏ سئل القاسم بن محمد، عن مصعب فقال‏:‏ كان نبيلاً رئيساً تقياً أنيساً‏.‏

وقد تقدم أنه لما ظهر على المختار قتل من أصحابه في غداة واحدة خمسة آلاف‏.‏

وقيل‏:‏ سبعة آلاف، فلما كان بعد ذلك لقي ابن عمر فسلم عليه فلم يعرفه ابن عمر، لأنه كان قد انضر في عينيه، فتعرف له فعرفه، قال‏:‏ أنت الذي قتلت في غداة واحدة خمسة آلاف ممن يوحد الله‏؟‏

فاعتذر إليه بأنهم بايعوا المختار‏.‏

فقال‏:‏ أما كان فيهم من هو مستكره أو جاهل فينظر حتى يتوب‏؟‏ أرأيت لو أن رجلاً جاء إلى غنم الزبير فنحر منها خمسة آلاف في غداة واحدة، أما كان مسرفاً‏؟‏

قال‏:‏ بلى ‏!‏

قال‏:‏ وهي لا تعبد الله ولا تعرفه كما يعرفه الآدمي، فكيف بمن هو موحد‏؟‏

ثم قال له‏:‏ يا بني تمتع من الماء البارد ما استطعت‏.‏

وفي رواية أنه قال له‏:‏ عش ما استطعت‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني محمد بن الحسن، عن زفر بن قتيبة، عن الكلبي قال‏:‏ قال عبد الملك بن مروان يوماً لجلسائه‏:‏ من أشجع العرب والروم‏؟‏

قالوا‏:‏ شبيب‏.‏

وقال آخر‏:‏ قطري بن الفجاءة وفلان وفلان‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/353‏)‏

فقال عبد الملك‏:‏ إن أشجع الناس لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وأمه الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وابنه ريان بن أنيف الكلبي، سيد ضاحية العرب، وولي العراقين خمس سنين فأصاب ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، مع ما لنفسه من الأموال، وملك غير ذلك من الأثاث والدواب والأموال ما لا يحصى‏.‏

وأعطى مع هذا الأمان، وأن يسلم هذا له جميعه مع الحياة فزهد في هذا كله وأبى واختار القتل على مقام ذل، ومفارقة هذا كله ومشى بسيفه فقاتل حتى مات، وذلك بعد خذلان أصحابه، فذلك مصعب بن الزبير رحمه الله‏.‏

وليس هو كمن قطع الجسور مرة ههنا ومرة ههنا‏.‏

فهذا هو الرجل وهذا هو الزهد‏.‏

قالوا‏:‏ وكان مقتله يوم الخميس للنصف من جمادى الأولى سنة ثنتين وسبعين‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني فليح بن إسماعيل، وجعفر بن أبي بشير، عن أبيه‏.‏

قال‏:‏ لما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك قال‏:‏

لقد أردى الفوارس يوم عبسٍ * غلامٌ غير مناع المتاع

ولا فرحٌ بخيرٍ إن أتاه * ولا هلع من الحدثان لاع

ولا رقابةً والخيل تعدو * ولا خالٌ كانبوب اليراع

فقال الرجل الذي جاء برأسه‏:‏ والله يا أمير المؤمنين لو رأيته والرمح في يده تارة والسيف تارة يفري بهذا، ويطعن بهذا لرأيت رجلاً يملأ القلب والعين شجاعة، لكنه لما تفرقت عنه رجاله وكثر من قصده وبقي وحده ما زال ينشد‏:‏

وإني على المكروه عند حضوره * أكذب نفسي والجفون فلم تغض

وما ذاك من ذلٍ ولكن حفيظةٌ * أذبُّ بها عند المكارم عن عرضي

وإني لأهل الشر بالشر مرصدٌ * وإني لذي سلمٍ أذلُّ من الأرض

فقال عبد الملك‏:‏ كان والله كما وصف به نفسه وصدق، ولقد كان من أحب الناس إليّ، وأشدهم لي ألفة ومودة، ولكن الملك عقيم‏.‏

وروى يعقوب بن سفيان‏:‏ عن سليمان بن حرب، عن غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد‏:‏ أن عبيد الله بن زياد بن ظبيان قتل مصعباً عند دير الجاثليق على شاطئ نهر يقال له‏:‏ دجيل، من أرض مسكن، واحتز رأسه فذهب به إلى عبد الملك فسجد شكراً لله‏.‏

وكان ابن ظبيان فاتكاً رديئاً، وكان يقول‏:‏ ليتني قتلت عبد الملك حين سجد يومئذ فأكون قد قتلت ملكي العرب‏.‏

قال يعقوب‏:‏ وكان ذلك سنة ثنتين وسبعين فالله أعلم‏.‏

وحكى الزبير بن بكار في عمره يوم قتل ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ خمس وثلاثون سنة، والثاني‏:‏ أربعون سنة، والثالث‏:‏ خمس وأربعون سنة فالله أعلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/354‏)‏

وروى الخطيب البغدادي‏:‏ أن امرأته سكينة بنت الحسين كانت معه في هذه الوقعة، فلما قتل طلبته في القتلى حتى عرفته بشامة في خده فقالت‏:‏ نِعم بعل المرأة المسلمة، كنت أدركك والله ما قال عنتر‏:‏

وخليل غانيةٍ تركت مجندلاً * بالقاع لم يعهد ولم يتثلم

فهتكت بالرمح الطويل إهابه * ليس الكريم على القنا بمحرم

قال الزبير‏:‏ وقال عبد الله بن قيس الرقيات يرثي مصعب بن الزبير رحمه الله تعالى‏:‏

لقد أورث المصرين حزناً وذلةً * قتيلٌ بدير الجاثليق مقيمٌ

فما نصحت لله بكر بن وائلٍ * ولا صدقت يوم اللقاء تميمٌ

ولو كان بكرياً يعطف حوله * كتائب يبقى حرها ويدوم

ولكنه ضاع الذمام ولم يكن * بها مضريُّ يوم ذاك كريمٌ

جزى الله كوفياً هناك ملامة * وبصرِّيهم إنَّ الملوم ملوم

وإن بني العلات أخلوا ظهورنا * ونحن صريحٌ بينهم وصميم

فإن نفن لا يبقي أولئك بعدنا * لذي حرمةٍ في المسلمين حريمٌ

وقد قال أبو حاتم الرازي‏:‏ ثنا يحيى بن مصعب الكلبي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك بن عمير قال‏:‏ دخلت القصر بالكوفة فإذا رأس الحسين بن علي على ترس بين يدي عبيد الله بن زياد، وعبيد الله على السرير‏.‏

ثم دخلت القصر بعد ذلك بحين فرأيت رأس عبيد الله بن زياد على ترس بين يدي المختار، والمختار على السرير، ثم دخلت القصر بعد ذلك بحين فرأيت رأس المختار على ترس بين يدي مصعب بن الزبير، ومصعب على السرير‏.‏

ثم دخلت القصر بعد حين فرأيت رأس مصعب بن الزبير على ترس بين يدي عبد الملك، وعبد الملك على السرير‏.‏

وقد حكى ذلك الإمام أحمد وغير واحد عن عبد الملك بن عمير‏.‏

وقال عبد الله بن قيس الرقيات يرثي مصعباً أيضاً‏:‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/355‏)‏

نعت السحائب والغمام بأسرها * جسداً بمسكن عاري الأوصال

تمسي عوائذه السباع وداره * بمنازلٍ أطلالهن بوالي

رحل الرفاق وغادروه ثاوياً * للريح بين صبا وبين شمالي

فصل خطبة عبد الله بن الزبير في مقتل أخيه مصعب‏.‏

وكان لمصعب من الولد عكاشة، وعيسى الذي قتل معه، وسكينة، وأمهم‏:‏ فاطمة بنت عبد الله بن السائب‏.‏

وعبد الله، ومحمد، وأمهما‏:‏ عائشة بنت طلحة، وأمها‏:‏ أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق‏.‏

وجعفر، ومصعب، وسعيد، وعيسى الأصغر، والمنذر لأمهات شتى‏.‏

والرباب، وأمها‏:‏ سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وذكر أبو زيد، عن أبي غسان محمد بن يحيى، حدثني مصعب بن عثمان قال‏:‏ لما انتهى إلى عبد الله بن الزبير قتل أخيه مصعب، قام في الناس خطيباً فقال‏:‏

الحمد لله الذي له الخلق والأمر يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير‏.‏

ألا وإنه لن يُذِلَّ الله من كان الحق معه وإن كان فرداً وحده، ولن يفلح من كان وليه الشيطان وحزبه ولو كان معه الآنام طُرَاً، ألا وأنه أتانا من العراق خبر أحزننا وأفرحنا، أتانا قتل مصعب فأحزننا، فأما الذي أفرحنا فعلمنا أن قتله له شهادة‏.‏

وأما الذي أحزننا فإن الحميم لفراقه لوعة يجدها حميمه عند المصيبة ثم يرعوي من بعدها، وذو الرأي جميل الصبر كريم العزاء، ولئن أصبت بمصعب فلقد أصبت بالزبير قبله، وما أنا من عثمان بخلو مصيبة، وما مصعب إلا عبد من عبيد الله، وعون من أعواني‏.‏

ألا وإن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه وباعوه بأقل الثمن، فإن يقتل فإنا والله ما نموت على مضاجعنا كما تموت بنو أبي العاص، والله ما قتل منهم رجل في زحف في الجاهلية ولا في الإسلام، وما نموت إلا بأطراف الرماح أو تحت ظل السيوف، فإن بني أبي العاص يجمعون الناس بالرغبات والرهبات، ثم يقاتلون بهم أعداءهم ممن هو خير منهم وأكرم ولا يقاتلون تابعيهم زحفاً‏.‏

ألا وإن الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه ولا يبيد ملكه، فإن تقبل الدنيا لآخذها أخذ الأشر البطر، وإن تدبر لا أبكي عليها بكاء الحزين الأسف المهين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق