1277
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن
وقال هشام بن الكلبي: عن عوانة بن الحكم، عن ليطة بن غالب بن الفرزدق، عن أبيه.
قال: حججت بأمي فبينما أنا أسوق بها بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحج، وذلك في سنة ستين، إذ لقيت الحسين خارجاً من مكة معه أسيافه وأتراسه، فقلت له: بأبي وأمي يا بن رسول الله، ما أعجلك عن الحج؟
فقال: لو لم أعجل لأخِذتُ، ثم سألني ممن أنت؟
فقلت: امرؤ من العراق، فسألني عن الناس فقلت له: القلوب معك والسيوف مع بني أمية، وذكر نحو ما تقدم.
قال الفرزدق: وسألت الحسين عن أشياء وعن المناسك فأخبرني بها، قال: وإذا هو ثقيل اللسان من برسام كان أصابه بمن بالعراق.
قال: ثم مضيت فإذا فسطاط مضروب في الحرم وهيئة حسنه، فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص، فسألني فأخبرته أني لقيت الحسين، قال: فهلا أتبعته؟ فإن الحسين لا يحيك فيه السلاح ولا يجوز فيه وفي أصحابه.
فندم الفرزدق وهمَّ أن يلحق به، ووقع في قلبه مقالة ابن عمرو، ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم فصدني ذلك عن اللحاق به.
فلما بلغه أنه قتل لعن ابن عمرو، وكان ابن عمرو يقول: والله لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتى يبلغ هذا الأمر ويظهر، وإنما أراد ابن عمرو بقوله: لا يحيك فيه السلاح، أي: السلاح الذي لم يقدر أن يقتل به.
وقيل: غير ذلك.
وقيل: أراد الهزل بالفرزدق.
قالوا: ثم سار الحسين لا يلوي على شيء حتى نزل ذات عرق. (ج/ص: 8/181)
قال أبو مخنف: فحدثني الحارث بن كعب الوالبي، عن على بن الحسين بن علي.
قال: لما خرجنا من مكة كتب عبد الله بن جعفر إلى الحسين مع ابنه عون ومحمد:
أما بعد:
فإني أسائلك بالله لما انصرفت حتى تنظر في كتابي هذا، فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الإسلام، فإنك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي والسلام.
ثم نهض عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد نائب مكة، فقال له: اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنيه في البر والصلة، وتوثق له في كتابك، وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع.
فقال له عمرو: اكتب عني ما شئت وأتني به حتى أختمه.
فكتب ابن جعفر على لسان عمرو بن سعيد ما أراد عبد الله، ثم جاء بالكتاب إلى عمرو فختمه بخاتمة، وقال عبد الله لعمرو بن سعيد: ابعث معي أمانك، فبعث معه أخاه يحيى، فانصرفا حتى لحقا الحسين فقرآ عليه الكتاب فأبى أن يرجع وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقد أمرني فيها بأمر وأنا ماضٍ له.
فقالا: وما تلك الرؤيا؟
فقال: لا أحدث بها أحداً حتى ألقى ربي عز وجل.
قال أبو مخنف: وحدثني محمد بن قيس: أن الحسين أقبل حتى إذا بلغ الحاجر من بطن ذي الرمة، بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة، وكتب معه إليهم:
بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا، والطلب بحقنا، فنسأل الله أن يحسن لنا الصنيع، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر.
وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فاكتموا أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: وكان كتاب مسلم قد وصل إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة، ومضمونه:
أما بعد:
فإن الرائد لا يكذب أهله، وإن جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تقرأ كتابي هذا والسلام عليكم.
قال: وأقبل قيس بن مسهر الصيداوي بكتاب الحسين إلى الكوفة، حتى إذا انتهى إلى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد فقال له ابن زياد: اصعد إلى أعلا القصر فسب الكذاب ابن الكذاب علي بن أبي طالب وابنه الحسين. (ج/ص: 8/182)
فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ! إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله، وهو ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر من بطن ذي الرمة، فأجيبوه واسمعوا له وأطيعوا.
ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعلي والحسين.
فأمر به ابن زياد فأُلقي من رأس القصر فتقطع، ويقال: بل تكسرت عظامه وبقي فيه بقية رمق، فقام إليه عبد الملك بن عمير البجلي فذبحه.
وقال: إنما أردت إراحته من الألم.
وقيل: إنه رجل يشبه عبد الملك بن عمير وليس به، وفي رواية: أن الذي قدم بكتاب الحسين إنما هو عبد الله بن بقطر أخو الحسين من الرضاعة، فأُلقي من أعلى القصر، والله أعلم.
ثم أقبل الحسين يسير نحو الكوفة ولا يعلم بشيء مما وقع من الأخبار.
قال أبو مخنف: عن أبي علي الأنصاري، عن بكر بن مصعب المزني.
قال: وكان الحسين لا يمر بماء من مياه العرب إلا اتبعوه.
قال: قال أبو مخنف: عن أبي جناب، عن عدي بن حرملة، عن عبد الله بن سليم، والمنذر بن المشمعل الأسديين قالا: لما قضينا حجنا لم يكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين، فأدركناه وقد مر برجل من بني أسد فهمّ الحسين أن يكلمه ويسأله ثم ترك، فجئنا ذلك الرجل فسألناه عن أخبار الناس فقال: والله لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق.
قالا: فلحقنا الحسين فأخبرناه، فجعل يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون مراراً.
فقلنا له: الله الله في نفسك.
فقال: لا خير في العيش بعدهما.
قلنا: خار الله لك.
وقال له بعض أصحابه: والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قد قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع.
وقال غيرهما: لما سمع أصحاب الحسين بمقتل مسلم بن عقيل، وثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب وقالوا: لا والله لا ترجع حتى ندرك ثأرنا، أو نذوق ما ذاق أخونا.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق