إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1275 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن


1275
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

قال محمد بن سعد‏:‏ وغير هؤلاء قد حدثني أيضاً في هذا الحديث بطائفة فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

قالوا‏:‏ لما بايع الناس معاوية ليزيد كان حسين ممن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، كل ذلك يأبى عليهم، فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية يطلبون إليه أن يخرج معهم فأبى، وجاء إلى الحسين يعرض عليه أمرهم‏.‏

فقال له الحسين‏:‏ إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا، ويستطيلوا بنا، ويستنبطوا دماء الناس ودماءنا، فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم، مرة يريد أن يسير إليهم، ومرة يجمع الإقامة عنهم‏.‏

فجاءه أبو سعيد الخدري فقال‏:‏ يا أبا عبد الله ‏!‏ إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج إليهم، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة‏:‏ والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم نيات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف‏.‏

قال‏:‏ وقدم المسيب بن عتبة الفزاري في عدة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية وقالوا‏:‏ قد علمنا رأيك ورأي أخيك‏.‏

فقال‏:‏ إني لأرجو أن يعطي الله أخي على نيته في حبه الكف، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين‏.‏

وكتب مروان إلى معاوية‏:‏ إني لست آمن أن يكون حسين مرصداً للفتنة، وأظن يومكم من حسين طويلاً‏.‏

فكتب معاوية إلى الحسين‏:‏ إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبئت أن قوماً من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق، فإنك متى تكدني أكدك‏.‏

فكتب إليه الحسين‏:‏ أتاني كتابك وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، والحسنات لا يهدي لها إلا الله، وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافاً، وما أظن لي عند الله عذراً في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/175‏)‏

فقال معاوية‏:‏ إن أثرنا بأبي عبد الله إلا شراً‏.‏

وكتب إليه معاوية أيضاً في بعض ما بلغه عنه‏:‏ إني لأظن أن في رأسك نزوة، فوددت أني أدركها فأغفرها لك‏.‏

قالوا‏:‏ فلما احتضر معاوية دعا يزيد فأوصاه بما أوصاه به، فقال له‏:‏ انظر حسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصِلْ رحمه، وارفق به، يصلح لك أمره، فإن يكن منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه‏.‏

وتوفي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين، وبايع الناس يزيد، فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامري عامر بن لؤي، إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة‏:‏ أن ادع الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي، فإن أمير المؤمنين عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه‏.‏

فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير فأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة ليزيد بن معاوية‏.‏

فقالا‏:‏ إلى أن نصبح وننظر ما يصنع الناس، ووثب الحسين فخرج وخرج معه ابن الزبير وقالا‏:‏ هو يزيد الذي نعرف، والله ما حدث له عزم ولا مروءة‏.‏

وقد كان الوليد أغلظ للحسين فشتمه الحسين وأخذ عمامته فنزعها من رأسه‏.‏

فقال الوليد‏:‏ إن هجنا بأبي عبد الله إلا شراً‏.‏

فقال له مروان - أو بعض جلسائه - اقتله‏.‏

فقال‏:‏ إن ذلك لدم مضنون به مصون في بني عبد مناف‏.‏

قالوا‏:‏ وخرج الحسين وابن الزبير من ليلتهما إلى مكة، وأصبح الناس فغدوا على البيعة ليزيد، وطلب الحسين وابن الزبير فلم يوجدا‏.‏

فقال المسور بن مخرمة‏:‏ عجل الحسين وابن الزبير يلفته ويرجيه ليخلو بمكة، فقدما مكة فنزل الحسين دار العباس، ولزم ابن الزبير الحجر، ولبس المعافري وجعل يحرض الناس على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق، ويقول‏:‏ هم شيعتك وشيعة أبيك‏.‏

وكان ابن عباس ينهاه عن ذلك، وقال له عبد الله بن مطيع‏:‏ إني فداؤك وأبي وأمي، فأمتعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذونا عبيداً وخولاً‏.‏

قالوا‏:‏ ولقيهما عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وابن أبي ربيعة بالأبواء، منصرفين من العمرة‏.‏

فقال لهما ابن عمر‏:‏ أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظرا فإن اجتمع الناس عليه فلم تشذا، وإن افترقوا عليه كان الذي تريدان‏.‏

وقال ابن عمر للحسين‏:‏ لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه ولا تنالها - يعني‏:‏ الدنيا - واعتنقه وبكى وودعه، فكان ابن عمر يقول‏:‏ غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، فرأى من الفتنة وخذلان الناس لهما ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير‏.‏

وقال له ابن عباس‏:‏ وأين تريد يا ابن فاطمة‏؟‏

فقال‏:‏ العراق وشيعتي‏.‏

فقال‏:‏ إني لكاره لوجهك هذا تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك حتى تركهم سخطة وملالة لهم‏؟‏ أذكرك الله أن تغرر بنفسك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/176‏)‏

وقال أبو سعيد الخدري‏:‏ غلبني الحسين على الخروج، وقلت له‏:‏ اتق الله في نفسك والزم بيتك ولا تخرج على إمامك‏.‏

وقال أبو واقد الليثي‏:‏ بلغني خروج الحسين بن علي فأدركته بملل، فناشدته الله أن لا يخرج فإنه يخرج في غير وجه خروج، إنما خرج يقتل نفسه‏.‏

فقال‏:‏ لا أرجع‏.‏

وقال جابر بن عبد الله‏:‏ كلمت حسيناً فقلت‏:‏ اتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فوالله ما حمدتم ما صنعتم، فعصاني‏.‏

وقال سعيد بن المسيب‏:‏ لو أن حسيناً لم يخرج لكان خيراً له‏.‏

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن‏:‏ وقد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم، ولكن شجعه على ذلك ابن الزبير‏.‏

وكتب إليه المسور بن مخرمة‏:‏ إياك أن تغتر بكتب أهل العراق وبقول ابن الزبير‏:‏ الحق بهم فإنهم ناصروك‏.‏

وقال له ابن عباس‏:‏ لا تبرح الحرم، فإنهم إن كانت بهم إليك حاجة فسيضربون إليك أباط الإبل حتى يوافوك فتخرج في قوة وعدة‏.‏

فجزاه خيراً وقال‏:‏ أستخير الله في ذلك‏.‏

وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنه إن لم يفعل إنما يساق إلى مصرعه‏.‏

وتقول‏:‏ أشهد لسمعت عائشة تقول‏:‏ إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏يقتل الحسين بأرض بابل‏)‏‏)‏‏.‏

فلما قرأ كتابها قال‏:‏ فلا بد لي إذا من مصرعي ومضى‏.‏

وأتاه بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال له‏:‏ يا ابن عم قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره، فأذكرك الله في نفسك‏.‏

فقال‏:‏ جزاك الله يا ابن عم خيراً، مهما يقضي الله من أمر يكن‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، نحتسب أباه عبد الله عند الله‏.‏

وكتب إليه عبد الله بن جعفر كتاباً يحذره أهل العراق ويناشده الله إن شخص إليهم‏.‏

فكتب إليه الحسين‏:‏ إني رأيت رؤيا، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بأمر وأنا ماضٍ له، ولست بمخبر بها أحداً حتى ألاقي عملي‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق