إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1274 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن صفة مخرج الحسين إلى العراق


1274
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

 صفة مخرج الحسين إلى العراق

لما تواترت الكتب إلى الحسين من جهة أهل العراق وتكررت الرسل بينهم وبينه، وجاءه كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله، ثم وقع في غبون ذلك ما وقع من قتل مسلم بن عقيل، والحسين لا يعلم بشيء من ذلك‏.‏

بل قد عزم على المسير إليهم، والقدوم عليهم، فاتفق خروجه من مكة أيام التروية قبل مقتل مسلم بيوم واحد - فإن مسلماً قتل يوم عرفة - ولما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك، وحذروه منه، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق، وأمروه بالمقام بمكة، وذكره ما جرى لأبيه وأخيه معهم‏.‏

قال سفيان بن عيينة‏:‏ عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، عن ابن عباس‏.‏

قال‏:‏ استشارني الحسين بن علي في الخروج‏.‏

فقلت‏:‏ لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب‏.‏

فكان الذي ردّ عليّ أن قال‏:‏ لأن أقتل في مكان كذا وكذا أحب إليّ من أن أقتل بمكة‏.‏

قال‏:‏ فكان هذا الذي سلَّى نفسي عنه‏.‏

وروى أبو مخنف‏:‏ عن الحارث بن كعب الوالبي، عن عقبة بن سمعان‏:‏ أن حسيناً لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه ابن عباس فقال‏:‏ يا ابن عم إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبين لي ما أنت صانع‏؟‏

فقال‏:‏ إني قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين إن شاء الله تعالى‏.‏

فقال له ابن عباس‏:‏ أخبرني إن كان قد دعوك بعد ما قتلوا أميرهم ونفوا عدوهم وضبطوا بلادهم فسر إليهم، وإن كان أميرهم حي وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزوا عليك الناس ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك‏.‏

فقال الحسين‏:‏ إني أستخير الله وأنظر ما يكون‏.‏

فخرج ابن عباس عنه، ودخل ابن الزبير فقال له‏:‏ ما أدري ما تركنا لهؤلاء القوم ونحن أبناء المهاجرين، وولاة هذا الأمر دونهم، أخبرني ما تريد أن تصنع ‏؟‏‏.‏

فقال الحسين‏:‏ والله لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة، ولقد كتب إلىّ شيعتي بها وأشرافها بالقدوم عليهم، وأستخير الله‏.‏

فقال ابن الزبير‏:‏ أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت عنها‏.‏

فلما خرج من عنده، قال الحسين‏:‏ قد علم ابن الزبير أنه ليس له من الأمر معي شيء، وأن الناس لم يعدلوا بي غيري، فود أني خرجت لتخلو له‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/173‏)‏

فلما كان من العشي أو من الغد، جاء ابن عباس إلى الحسين فقال له‏:‏ يا ابن عم ‏!‏ إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قوم غدر فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس في معزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب‏.‏

فقال الحسين‏:‏ يا ابن عم ‏!‏ والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير‏.‏

فقال له‏:‏ فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه‏.‏

ثم قال ابن عباس‏:‏ أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إياه بالحجاز، فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك‏.‏

قال‏:‏ ثم خرج من عنده فلقي ابن الزبير فقال‏:‏ قرت عينك يا ابن الزبير‏؟‏ ثم قال‏:‏

يالك من قنبرةٍ بمعمرٍ * خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري * صيادك اليوم قتيل فابشري

ثم قال ابن عباس‏:‏ هذا حسين يخرج إلى العراق ويخليك والحجاز‏.‏

وقال غير واحد‏:‏ عن شبابة بن سوار‏.‏

قال‏:‏ حدثنا يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدي‏.‏

قال‏:‏ سمعت الشعبي يحدث عن ابن عمر‏:‏ أنه كان بمكة فبلغه أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليالٍ، فقال‏:‏ أين تريد‏؟‏

قال‏:‏ العراق، وإذا معه طوامير وكتب، فقال‏:‏ هذه كتبهم وبيعتهم‏.‏

فقال‏:‏ لا تأتهم؛ فأبى‏.‏

فقال ابن عمر‏:‏ إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والله ما يليها أحد منكم أبداً؛ وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع‏.‏

قال‏:‏ فاعتنقه ابن عمر وبكى قال‏:‏ أستودعك الله من قتيل‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ حدثنا أبو عبيدة، ثنا سليم بن حيان، عن سعيد بن مينا‏.‏

قال‏:‏ سمعت عبد الله بن عمرو يقول‏:‏ عجل حسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني، ببني هاشم فتح هذا الأمر، وببني هاشم يختم، فإذا رأيت الهاشمي قد ملك فقد ذهب الزمان‏.‏

قلت‏:‏ وهذا مع حديث ابن عمر يدل على أن الفاطميين أدعياء كذبة، لم يكونوا من سلالة فاطمة كما نص عليه غير واحد من الأئمة على ما سنذكره في موضعه إن شاء الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/174‏)‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدثنا أبو بكر الحميدي، ثنا أبو سفيان، ثنا عبد الله بن شريك، عن بشر بن غالب‏.‏

قال‏:‏ قال ابن الزبير للحسين‏:‏ أين تذهب‏؟‏ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك‏؟‏

فقال‏:‏ لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إليّ من أن تستحل بي - يعني‏:‏ مكة -‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني عمي مصعب بن عبد الله أخبرني من سمع هشام بن يوسف يقول عن معمر قال‏:‏ سمعت رجلاً يحدّث عن الحسين أنه قال لعبد الله بن الزبير‏:‏ أتتني بيعة أربعين ألفاً يحلفون بالطلاق والعتاق إنهم معي‏.‏

فقال له ابن الزبير‏:‏ أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك‏؟‏

قال هشام‏:‏ فسألت معمراً عن الرجل فقال‏:‏ هو ثقة‏.‏

قال الزبير‏:‏ وقال عمي‏:‏ وزعم بعض الناس أن ابن عباس هو الذي قال هذا‏.‏

وقد ساق محمد بن سعد كاتب الواقدي هذا سياقاً حسناً مبسوطاً‏.‏

فقال‏:‏ أنبأنا علي بن محمد، عن يحيى بن إسماعيل بن أبي المهاجر، عن أبيه، وعن لوط يحيى العامري، عن محمد بن بشير الهمداني وغيره، وعن محمد بن الحجاج، عن عبد الملك بن عمير، عن هارون بن عيسى، عن يونس بن إسحاق، عن أبيه، وعن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن مجالد، عن الشعبي‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق