إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1273 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏



1273

 
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

 ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏

فقام عمر فعرض على ابن زياد ما قال له، فأجاز ذلك له كله‏.‏

وقال‏:‏ أما الحسين فإنه لم يردنا لا نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه‏.‏

ثم أمر ابن زياد بمسلم بن عقيل فأصعد إلى أعلا القصر، وهو يكبر ويهلل ويسبح ويستغفر ويصلي على ملائكة الله ويقول‏:‏ اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا‏.‏

ثم ضرب عنقه رجل يقال له‏:‏ بكير بن حمران، ثم ألقي رأسه إلى أسفل القصر، وأتبع رأسه بجسده‏.‏

ثم أمر بهانئ بن عروة المذحجي فضربت عنقه بسوق الغنم، وصُلب بمكان من الكوفة يقال له‏:‏ الكناسة‏.‏

فقال رجل شاعر في ذلك قصيدة‏:‏

فان كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل

أصابهما أمر الإمام فأصبحا * أحاديث من يغشى بكل سبيل

إلى بطلٍ قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوي في طمار قتيل

ترى جسداً قد غير الموت لونه * ونضح دمٍ قد سال كلّ مسيل

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونوا بغياً أرضيت بقليل

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/170‏)‏

ثم إن ابن زياد قتل معهما أناساً آخرين، ثم بعث برؤوسهما إلى يزيد بن معاوية إلى الشام، وكتب له كتاباً صورة ما وقع من أمرهما‏.‏

وقد كان عبيد الله قبل أن يخرج من البصرة بيوم خطب أهلها خطبة بليغة، ووعظهم فيها وحذرهم، وأنذرهم من الاختلاف والفتنة والتفرق‏.‏

وذلك لما رواه هشام بن الكلبي وأبو مخنف، عن الصقعب بن زهير، عن أبي عثمان النهدي‏.‏

قال‏:‏ بعث الحسين مع مولى له يقال له‏:‏ سلمان كتاباً إلى أشراف أهل البصرة فيه‏:‏

أما بعد‏:‏

فإن الله اصطفى محمداً على خلقه وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه، وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به، وكنا أهله وأولياءه وورثته وأحق الناس به وبمقامه في الناس‏.‏

فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه، وقد أحسنوا وأصلحوا، وتحروا الحق فرحمهم الله وغفر لنا ولهم‏.‏

وقد بعثت إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فإن السنة قد أميتت، وإن البدعة قد أحييت، فتسمعوا قولي وتطيعوا أمري، فإن فعلتم أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله‏.‏

وعندي في صحة هذا عن الحسين نظر، والظاهر أنه مطرز بكلام مريد من بعض رواة الشيعة‏.‏

قال‏:‏ فكل من قرأ ذلك من الأشراف كتمه إلا المنذر بن الجارود فإنه ظن أنه دسيسة من ابن زياد، فجاء به إليه، فبعث خلف الرسول الذي جاء به من حسين فضرب عنقه، وصعد عبيد الله بن زياد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد‏:‏

فوالله ما بي تقرن الصعبة، وما يقعقع لي بالشنان، وإني لنكال لمن عاداني، وسهام لمن حاربني، أنصف القارة من رماها‏.‏

يا أهل البصرة إن أمير المؤمنين ولاني الكوفة وأنا غادٍ إليها الغداة، وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان، وإياكم والخلاف والإرجاف، فوالذي لا إله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه وعريفه ووليه، ولآخذن الأدنى بالأقصى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/171‏)‏

حتى يستقيم لي الأمر، ولا يكن فيكم مخالف ولا مشاقق، أنا ابن زياد أشبهته من بين مَنْ وطئ الحصى، ولم يتنزعني شبه خالٍ ولا عمٍ‏.‏

ثم خرج من البصرة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي فكان من أمره ما تقدم‏.‏

قال أبو مخنف‏:‏ عن الصقعب بن زهير، عن عون بن جحيفة قال‏:‏ كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة، وقتل يوم الأربعاء لتسع مضين من ذي الحجة، وذلك يوم عرفة سنة ستين‏.‏

وكان ذلك بعد مخرج الحسين من مكة قاصداً أرض العراق بيوم واحد، وكان خروج الحسين من المدينة إلى مكة يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة ستين، ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، فأقام بمكة بقية شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة‏.‏

وخرج من مكة لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية‏.‏

وفي رواية ذكرها ابن جرير‏:‏ أن مسلم بن عقيل لما بكى قال له عبيد الله بن عباس السلمي‏:‏ إن من يطلب مثل ما تطلب لا يبكي إذ أنزل به مثل الذي نزل بك‏.‏

قال‏:‏ إني والله ما لنفسي أبكي، ومالها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفاً، ولكنني أبكي لأهلي المقبلين إلى الكوفة، أبكي الحسين وآل حسين‏.‏

ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال‏:‏ يا عبد الله ‏!‏ إني والله أراك ستعجز عن أماني، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث رجلاً على لساني يبلغ حسيناً عني رسالة‏؟‏

فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم أو غداً هو وأهل بيته، وإن ما تراه من جزعي لذلك، فتقول له‏:‏ إن ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يدري أيصبح أم يمسي حتى يقتل‏.‏

وهو يقول لك‏:‏ ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني، وليس لكاذب رأي‏.‏

فقال ابن الأشعث‏:‏ والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك‏.‏

قال أبو مخنف‏:‏ فدعا محمد بن الأشعث إياس بن العباس الطائي من بني مالك بن ثمامة - وكان شاعراً - فقال له‏:‏ اذهب فالق حسيناً فأبلغه هذا الكتاب - وكتب فيه الذي أمره به ابن عقيل - ثم أعطاه راحلة وتكفل له بالقيام بأهله وداره‏.‏

فخرج حتى لقي الحسين بزبالة، لأربع ليال من الكوفة فأخبره الخبر وأبلغه الرسالة‏.‏

فقال الحسين‏:‏ كل ما حم نازل، عند الله نحتسب وأنفسنا وفساد أئمتنا‏.‏

ولما انتهى مسلم إلى باب القصر وأراد شرب الماء قال له مسلم بن عمرو الباهلي‏:‏ أتراها ما أبردها‏؟‏ والله لا تذوقها أبداً حتى تذوق الحميم في نار جهنم‏.‏

فقال ابن عقيل‏:‏ ويحك من أنت‏؟‏

قال‏:‏ أنا من عرف الحق إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيت، أنا مسلم بن عمرو الباهلي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/172‏)‏

فقال له مسلم‏:‏ لأمك الويل ‏!‏ ما أجفاك وأفظّك، وأغلظك يا ابن ناهلة ‏!‏‏!‏ أنت والله أولى بالحميم ونار الجحيم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق