1252
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن
وفي رواية: أن معاوية تلقى عمر حين قدم الشام، ومعاوية في موكب كثيف، فاجتاز بعمر وهو وعبد الرحمن بن عوف راكبان على حمار، ولم يشعر بهما، فقيل له: إنك جاوزت أمير المؤمنين، فرجع، فلما رأى عمر ترجل وجعل يقول له ما ذكرنا.
فقال عبد الرحمن بن عوف: ما أحسن ما صدر عما أوردته فيه يا أمير المؤمنين؟ !
فقال: من أجل ذلك جشمناه ما جشمناه.
وقال عبد الله بن المبارك في كتاب (الزهد): أخبرنا محمد بن ذئب، عن مسلم بن جندب، عن أسلم مولى عمر قال: قدم علينا معاوية وهو أبيض نص وبّاص؛ أبضّ الناس وأجملهم. (ج/ص: 8/134)
فخرج إلى الحج مع عمر، فكان عمر ينظر إليه فيعجب منه، ثم يضع أصبعه على متن معاوية ثم يرفعها عن مثل الشراك، فيقول: بخ بخ، نحن إذاً خير الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة.
فقال معاوية: يا أمير المؤمنين سأحدثك إنا بأرض الحمامات والريف والشهوات.
فقال عمر: سأحدثك ما بك إلا إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنيك، وذووا الحاجات وراء الباب.
فقال: يا أمير المؤمنين علمني امتثل.
قال: فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها، فوجد عمر منها ريحاً كأنه ريح طيب.
فقال: يعمد أحدكم فيخرج حاجاً مقلاً حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما؟ !.
فقال معاوية: إنما لبستهما لأدخل فيهما على عشيرتي وقومي، والله لقد بلغني أذاك ههنا وبالشام، فالله يعلم أني لقد عرفت الحياء فيه، ثم نزع معاوية ثوبيه ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني أبي، عن هشام بن محمد، عن أبي عبد الرحمن المدني.
قال: كان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب.
وهكذا حكى المدائني عن عمر أنه قال ذلك.
وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي، عن جده.
قال: دخل معاوية على عمر وعليه حلة خضراء؛ فنظر إليها الصحابة، فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرة فجعل يضربه بها، وجعل معاوية يقول: يا أمير المؤمنين الله الله فيّ.
فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم: لم ضربته يا أمير المؤمنين؟ وما في قومك مثله؟
فقال: والله ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خير، ولو بلغني غير ذلك لكان مني إليه غير ما رأيتم، ولكن رأيته - وأشار بيده - فأحببت أن أضع منه ما شمخ.
وقد قال أبو داود: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا يحيى بن حمزة، ثنا ابن أبي مريم: أن القاسم بن مخيمرة أخبره، أن أبا مريم الأزدي أخبره.
قال: دخلت على معاوية فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان - وهي كلمة تقولها العرب - فقلت: حديث سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ولاه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره)).
قال: فجعل معاوية حين سمع هذا الحديث رجلاً على حوائج الناس. ورواه الترمذي وغيره.
وقال الإمام أحمد: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، ثنا حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز.
قال: خرج معاوية على الناس فقاموا له.
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)). (ج/ص: 8/135)
وفي رواية: قال: خرج معاوية على ابن عامر وابن الزبير، فقام له ابن عامر ولم يقم له ابن الزبير.
فقال معاوية لابن عامر: اجلس ! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أحب أن يتمثل له العباد قياماً فليتبوأ مقعده من النار)).
ورواه أبو داود والترمذي من حديث حبيب بن الشهيد.
وقال الترمذي: حديث حسن.
وروى أبو داود من حديث الثوري، عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد المقري الحمصي، عن معاوية.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)).
قال: كلمة سمعها معاوية نفعه الله بها.
تفرد به أحمد - يعني: أنه كان جيد السيرة، حسن التجاوز، جميل العفو، كثير الستر رحمه الله تعالى - وثبت في (الصحيحين) من حديث الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن معاوية.
أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)).
وفي رواية: ((وهم على ذلك)).
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق