533
تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة
الفصل السادس : معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم
المبحث الثالث : التحكيم
ثانيًا: سيرة عمرو بن العاص رضي الله عنه:
2- عمرو بن العاص يقود سرية في ذات السلاسل 7هـ:
جهز النبي × جيشًا بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل, وذلك لتأديب قضاعة التي غرها ما حدث في مؤتة التي اشتركت فيها إلى جانب الروم, فتجمعت تريد الدنو من المدينة, فتقدم عمرو بن العاص في ديارها ومعه ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار, ولما وصل إلى مكان تجمع الأعداء بلغه أن لهم جموعًا كثيرة, فأرسل إلى رسول الله × يطلب المدد فجاءه مدد بقيادة أبي عبيدة بن الجراح( ), وقاتل المسلمون الكفار, وتوغل عمرو في ديار قضاعة التي هربت وتفرقت وانهزمت, ونجح عمرو في إرجاع هيبة الإسلام لأطراف الشام, وإرجاع أحلاف المسلمين لصداقتهم الأولى, ودخول قبائل أخرى في حلف المسلمين, وإسلام الكثيرين من بني عبس, وبني مرة, وبني ذبيان, وكذلك فزارة وسيدها عيينة بن حصن في حلف مع المسلمين, وتبعها بنو سليم, وعلى رأسهم العباس بن مرداس, وبنو أشجع, وأصبح المسلمون هم الأقوى في شمال بلاد العرب, وإن لم يكن في البلاد جميعها( ), وفي هذه الغزوة دروس وعبر وحكم تتعلق بعمرو بن العاص منها:
أ- إخلاص عمرو بن العاص:
يقول عمرو: بعث إلي رسول الله × فقال: «خذ عليك ثيابك, وسلاحك, ثم ائتني». فأتيته وهو يتوضأ, فصعد فيّ النظر, ثم طأطأ, فقال: «إني أريد أن أبعثك على جيش( ), فيسلمك الله ويغنمك, وأرغب لك في المال رغبة صالحة», قال: قلت: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال, ولكني أسلمت رغبة في الإسلام, وأن أكون مع رسول الله ×. قال: «يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح»( ). فهذا الموقف يدل على قوة إيمان وصدق وإخلاص عمرو بن العاص للإسلام وحرصه على ملازمة رسول الله ×, وقد بين له رسول الله × أن المال الحلال نعمة إذا وقع بيد الرجل الصالح, لأنه يبتغي وجه الله ويصرفه في وجوه الخير ككفالة الأيتام والأرامل والدعاة ودعم المجاهدين, والمشاريع الخيرية وغيرها من وجوه البر, ويعف به نفسه وأسرته( ), ويغني به المسلمين, ونستنبط من الحديث أن سعي العبد للحصول على المال الصالح أمر محمود يحث عليه النبي ×, كما أن الرجل ذا المال إذا استطعنا إيصال الصلاح له ليجمع بين صلاح المال وصلاح نفسه كما في الحديث, فهو أيضًا مطلوب ومحمود, وهذا خير له وللإسلام والمسلمين.
ب- حرص عمرو على سلامة قواته:
بعث رسول الله × عمرًا في غزوة ذات السلاسل, فأصابهم برد, فقال لهم عمرو: لا يوقدن أحد نار, فلما قدم شكوه, قال: يا نبي الله, كان فيهم قلة, فخشيت أن يرى العدو قلتهم, ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين، فأعجب ذلك رسول الله( ).
ج- من فقه عمرو بن العاص رضي الله عنه:
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل, فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك, فتيممت, ثم صليت بأصحابي الصبح, فذكروا ذلك للنبي × فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: +وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" [النساء:29], فضحك رسول الله × ولم يقل شيئًا( ).
وهذا الاجتهاد من عمرو بن العاص يدل على فقهه ووفور عقله, ودقة استنباطه الحكم من دليله( ), ولئن وقف الفقهاء عند هذه الحادثة يفرعون عليها الأحكام, فإن الذي يستوقفنا( ) منها تلك السرعة في أخذ عمرو للقرآن وصلته به حتى بات قادرًا على فقه الأمور من خلال الآيات وهو لم يمض على إسلامه أربعة أشهر, إنه الحرص على الفقه في دين الله, وقد يكون عمرو –وهذا احتمال وارد- على صلة بالقرآن قبل إسلامه يتتبع ما يستطيع الوصول إليه, وحينئذ نكن أمام مثال آخر من عظمة هذا القرآن الذي لوى أعناق الكافرين وجعلهم وهم في أشد حالات العداوة لهذا الدين يحاولون استماع هذا القرآن, كما رأينا ذلك في العهد المكي, ويؤيد هذا ما رأيناه من معرفته بالقرآن حينما طلب من النجاشي أن يسأل مهاجري الحبشة عن رأيهم في عيسى عليه السلام( ).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق