إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 30 مايو 2014

212 عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة الفصل الثاني : بيعة معاوية وأهم صفاته ونظام حكمه المبحث الثاني : العلاقة بين الأمة ومعاوية كرئيس الدولة الإسلامية : سادساً : حرية التعبير في عهد معاوية رضي الله عنه : 3 ـ أم سنان بنت خيثمة في مجلس معاوية :


212

عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة

الفصل الثاني : بيعة معاوية وأهم صفاته ونظام حكمه

المبحث الثاني : العلاقة بين الأمة ومعاوية كرئيس الدولة الإسلامية :

سادساً : حرية التعبير في عهد معاوية رضي الله عنه :

3 ـ أم سنان بنت خيثمة في مجلس معاوية :

    كانت أم سنان بنت خيثمة المذحجية من أنصار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وفي عهد معاوية قدمت على دمشق واستأذنت عليه فأذن لها، فانتسبت له فعرفها، وأمرها بالجلوس، فلما جلست قال لها: مرحباً يا ابنة خيثمة، ما أقدمك أرضنا وقد عهدتك تبغضين قومي، وتحضّين عليَّ عدوى؟ قالت: يا أمير المؤمنين، إنّ لبني عبد مناف أخلاقاً طاهرة، وأعلاماً ظاهرة، وأحلاماً وافرة، لا يجهلون بعد علم، ولا يسفهون بعد حلم، ولا يتعقبون بعد عفو، وإنَّ أولى النَّاس باتباع سنن آبائه لأنْتَ. قال معاوية ـ رضي الله عنه ـ صدقتِ يا أم سنان، نحن كذلك ثم سادت فترة صَمْتٍ، قطعها بسؤال لأمّ سنان يذكرها فيها بشعرها وتحريضها عليه، فقال لها: كيف قولك:
                عَزبَ الرقـاد فمقلتي ما ترقـد
                            والليل يُصدر بالهمـوم ويـورد
                يا آل مذحج لا مُقـام فشمّروا
                            إن العــدوَ لا أحمـد يقصـد
                هــذا عليُّ كالهـلال تحفُّـهُ
                            وسْطَ السماء من الكواكب أسعد
                ما زال مُذْ شهد الحروب مظفراً
                            والنّصـرُ فـوق لوائه مـا يُفقد

وكانت أمّ سنان ـ رحمها الله ـ تصغي لما ينشده معاوية من شعرها، ولما انتهى قالت له: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، وإنَّا لنطمع أن تكون لنا خلفاً بعده، فمثلك جدير بذلك وقبل أن يتكلم معاوية بكلمة، قال رجل من جلسائه: كيف يا أمير المؤمنين، وأنا أحفظ من شعرها خلاف ما تقول لك الآن فهي القائلة:
                إمـا هلكت أبـا الحُسين فلم تزل
                            بالحق تُعرف هادياً مهديا
                فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت
                            فوق الغُصون حمامة قمريا
                فاليـوم لا خلـف يؤمّل بعـده
                            هيهات نمدح بعده إنْسِيا
    عندئذ قالت أمُّ سنان وعلائم الحزم والصِّدقِ ترتسم على وجهها وهي تعّرضُ بجلسائه: يا أمير المؤمنين، لسان نطق، وقول صدق، ولئن تحقّق فيك، ما ظننّا فحظُّك الأوفر، والله ما ورّثك الشَّناءة ـ البغض ـ في قلوب المسلمين إلا هؤلاء ـ وأشارت إلى بعض جلسائه ، فادحض مقالتهم، وابعد منزلتهم، فإنك إن فعلت ذلك ازدت من الله عز وجل قرباً ومن المسلمين حباً. وتعجب معاوية مما تقول، فقطع عليها مقالتها قائلاً: وإنّك لتقولين ذلك يا أم سنان؟

    قالت: سبحان الله يا أمير المؤمنين، والله ما مثلك مدح بباطل، ولا اعتذر إليه بكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا، كان والله عليُّ ـ رضي الله عنه ـ أحب إلينا منك إذ كان حياً، وأنت أحبّ إلينا من غيره إذ أنت باق. فسألها معاوية: وممن أنا أحب إليكم ما دمت باقياً؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أحبّ إلينا من مروان بن الحكم وسعيد بن العاص. قال: وبم استحققت بذلك عليهما؟. قالت بحسن حلمك، وكرم عفوك . وبعد حديث انتهى الحوار، سألها: ما حاجتك الآن يا أم سنان؟ فسألته حاجتها في حفيدها بالمدينة أن يفك أسره، فلبى معاوية طلبها، وأكرمها ووصلها وردّها إلى المدينة، وقد قضيت حاجتها، وكان لسانها يلهج بالدعاء لمعاوية . هذه أمُّ سنان المذحجيّة، إحدى نساء عصر التابعين وممن فُطرت نفسها على الصَّفاء والصَّراحة، وأوتيت شطراً من البلاغة والحكمة ما جعلها في سجل ناصع يحكي خلودها وخلود أمثالها  ولم تكن أم سنان المذحجية وحدها التي كانت تعبر عن رأيها، وتتكلَّم بوضوح عن معتقداتها، بل كانت مثيلاتها كثير مثل، الزرقاء بنت عدي ، وأم الخير بنت الحريش ، لقد كان معاوية رضي الله عنه، يجرّيء الناس على الصدع بمعتقداتهم وآرائهم، ويشجعهم على حرية الرأي والتعبير وحق النقد والمعارضة السلمية.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق