إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 30 مايو 2014

165 عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة الفصل الثاني : بيعة معاوية وأهم صفاته ونظام حكمه المبحث الأول : بيعة معاوية وأهم صفاته وثناء العلماء عليه : ثانياً : أهم صفات معاوية رضي الله عنه: أشتهر معاوية رضي الله عنه بصفات كثيرة من أهمها 2- الحلم والعفو :


165

عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة

الفصل الثاني : بيعة معاوية وأهم صفاته ونظام حكمه

المبحث الأول : بيعة معاوية وأهم صفاته وثناء العلماء عليه :

ثانياً : أهم صفات معاوية رضي الله عنه:

أشتهر معاوية رضي الله عنه بصفات كثيرة من أهمها

2- الحلم والعفو :

اشتهر أمير المؤمنين معاوية بصفة الحلم وكان يضرب به المثل في حلمه رضي الله عنه, وكظم غيظه وعفوه عن الناس وقد ذكر ابن كثير ما كان يتصف به أمير المؤمنين معاوية من الحلم حيث قال : وقال بعضهم : أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً, فقيل له : لو سطوت عليه : فقال: إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي, وفي رواية قال له رجل : يا أمير المؤمنين ما أحلمك!! فقال : إني لا ستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي وقال الأصمعي عن الثوري قال : قال معاوية : إني لأستحي أن يكون ذنب أعظم من عفوي, أو جهل أكبر من حلمي, أو تكون عورة لا أواريها بستري. وقال معاوية : يابني أمية فارقوا قريشاً بالحلم, فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما وأوسعه حلما, وأرجع وهو لي صديق, إن استنجدته أنجدني, وأثور به فيثور معي, وما وضع الحلم عن شريف شرفه, ولا زاده إلا كرماً, وقال : لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم  وسئل معاوية : من أسود الناس؟ فقال : أسخاهم نفساً حين يسأل, وأحسنهم في المجالس خلقا, وأحلمهم حين يستجهل , وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : كان معاوية يتمثل بهذه الأبيات كثيراً :

        فما قتل السفاهة مثل حلم
                يعود به على الجهل الحليم
        فلا تسْفَه وإن ملِّئتَ غيظاً
                على أحد فإن الفحش لُوْمُ
        ولا تقطع أخاً لك عند ذنب
                فإن الذنب يغفره الكريم

وكتب معاوية إلى نائب زياد : إنه لا ينبغي أن يُساسَ الناس سياسة واحدة باللين فيمرحوا, ولا بالشدة فيُحَْمَلَ الناس على المهالك, ولكن كن أنت للشدة والفظاظة والغلظة, وأنا للين والألفة والرحمة, حتى إذا خاف خائف وجد بابا يدخل منه  .

فهذه الأقوال المروية عن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه تبين لنا شيئاً مما اشتهر عنه من الاتصاف بخلق الحلم, وقد كان هذا الخلق همزة وصل بينه وبين من يعاملونه بشيء من الجفاء من أفراد رعيته, أو يصارحونه بقوة - بما يرونه حقاً وهو يخالفهم في ذلك, وكان لتخلقه بخلق الحلم الذي لم يخالطه ضعف أثر في نجاحه في تثبيت أركان دولته, وذلك بمقدرته الفائقة على امتصاص غضب المخالفين, وتحويلهم إلى الرضى والقناعة بسياسته, وهكذا تأتي مكارم الأخلاق التي من أهمها الحلم والعفو والصبر والكرم لتكون من أهم عناصر السيادة, وقد أبان في هذه الأقوال بأن الحلم يخالطه شيء من الذل كما أن النصر يخالطه شيء من العز, ولكن أبدى سروره بذلك الذل لما يترتب عليه من النتائج الحميدة التي منها اكتساب الأصدقاء والأنصار  وفي كتابه إلى زياد أمير العراق بيان لسياسته الجيدة التي تخيف المتهورين الميالين إلى إحداث الفوضى والإخلال بالأمن, ولكنها في الوقت نفسه تبعث الأمل لدى من يراجعون أنفسهم ويريدون سلوك طريق الاستقامة والسلامة , ولقد أثنى على أمير المؤمنين معاوية حكماء عصره وذكروا اتصافه بمكارم الأخلاق وخاصة الحلم, وفي ذلك يقول الحافظ بن كثير : وقال عبد الملك بن مروان - يوما وذكر معاوية فقال -: ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه , وقال قبيصة بن جابر : مارأيت أحداً أعظم حلماً, ولا أكثر سؤدداً, ولا أبعد أناة, ولا ألين مخرجاً, ولا أرحب بالمعروف من معاوية . وقال عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما : لله در ابن هند, إن كنا لنُفرْقه , وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا, وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا, والله لوددت أنا مُتِّعنا به مادام في هذا الجبل حجر- وأشار إلى أبي قبيس . وفي قول ابن الزبير هذا وصف دقيق لمعاملة معاوية لقادة المسلمين وسادتهم, فهو جريء شجاع ولكن يظهر عمدا ليصل من ذلك إلى عدم إثارة المخالفين, لأن إظهار الشجاعة يثير عنصر التحدي لديهم, وهو أدهى أهل الأرض في زمانه, ولكنه يظهر الانخداع أمام محدثيه ليصل إلى تجفيف منابع نقمتهم عليه, وهو في ذلك كله يخدم هدفاً سامياً وهو تحقيق حياة الرخاء والأمن للأمة الإسلامية, ولقد تمنى ابن الزبير أن يطول عمر معاوية لأنه يخشى من تغير الأحوال من بعده , ويصف حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما سياية معاوية بكلام موجز, لكنه يعني خلاصة تفكير عميق حيث يقول : قد علمت بِمَ غلب معاوية الناس, وكانوا إذا طاروا وقع, وإذا وقع طاروا . وهذا يعني أنه إذا رأى السيول الجارفة قد أقبلت لم يقاومها, وإنما يفسح لها حتى تمر, ثم يحتوي الميدان وقد زال إقبال الناس الشديد فيتمكن مما يريد, وقد عبر معاوية عن هذه السياسة بقوله المشهور : لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت, إذا جذبوها أرخيتها, وإذا أرخوها جذبتها ومن مواقفه في الحلم أنه : جرى بين رجل يقال له أبو جهم وبين معاوية كلام, فتكلم أبو جهم بكلام فيه غَمْرٌ لمعاوية, فأطرق معاوية ثم رفع رأسه فقال : يا أبا الجهم إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبيان ويأخذ أخذ الأسد, وإن قليله يغلب كثير الناس, ثم أمر معاوية لأبي الجهم بمال, فقال أبو الجهم في ذلك يمدح معاوية :

        نميل على جوانبه كأنا
                نميل إذا نميل على أبينا
        نُقلِّبه لنخبر حالتيه
                فنخبر منهما كرماً ولينا

وهكذا كان لحلم معاوية رضي الله عنه وحسن خلقه ومبادلته الإساءة بالإحسان الأثر الكبير في نفس أبي الجهم فقال هذين البيتين في الثناء على معاوية, ولقد كان سلوك أمير المؤمنين معاوية تطبيقاً لقوله الله تعالى : ((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ? وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )) (فصلت ، الآيتان :35,34).

ونظراً لحلم معاوية الكبير وما يتصف به من الشجاعة والعزة فإن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أثنى عليه  بقوله : دعوا فتى قريش وابن سيدها, إنه لمن يضحك في الغضب ولا يُنال منه إلا على الرضا, ومن لا يؤخذ ما فوق رأسه إلا من تحت قدميه . فهذا قول دقيق من عمر في وصف معاوية, فقد وصفه بالدرجة العالية من الحلم, والعزة التي تجعله منيعا لا ينال ما عنده على قهر منه, وهذه الصفة من صفاته التي جعلة أمير المؤمنين عمر يبقيه أميراً على الشام لخطورة ذلك الثغر  .

وقال معاوية رضي الله عنه : العقل والحلم أفضل ما أعطي العبد, فإذا ذُكِّر ذكر وإذا أُعطي شكر, وإذا بتلي صبر, وإذا غضب كظم, وإذا قدر غفر, وإذا أساء استغفر, وإذا وعد أنجز  ففي هذا الخبر جمع أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه درراً من الحكم, وهي الشكر عند الرخاء, والصبر عند الابتلاء والتحكم في السلوك عند الغضب, والعفو عند المقدرة, والوفاء بالوعد, والاستغفار عند الإساءة, فهذا الخبر على قصره قد جمع ستة موضوعات, كل موضوع يحتاج إلى أن يكتب عنه في صفحات, وهذا من جوامع الكلم, وهو يعتبر من أعلى أنواع البلاغة, وذلك في جمع المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة, وقد اشتهر في هذا البيان عدد من الصحابة رضي الله عنهم تتلمذوا في ذلك على رسول الله صلى الله الذي أوتي جوامع الكلم .

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق