إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 30 مايو 2014

208 عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة الفصل الثاني : بيعة معاوية وأهم صفاته ونظام حكمه المبحث الثاني : العلاقة بين الأمة ومعاوية كرئيس الدولة الإسلامية : خامساً : الشورى في عهد معاوية رضي الله عنه:



208


عمر بن عبد العزيز ( معالم التجديد والاصلاح الراشدى ) على منهاج النبوة

الفصل الثاني : بيعة معاوية وأهم صفاته ونظام حكمه

المبحث الثاني : العلاقة بين الأمة ومعاوية كرئيس الدولة الإسلامية :

خامساً : الشورى في عهد معاوية رضي الله عنه:

    عندما آلت الخلافة إلى بني أمية، لم يكن معاوية بن أبي سفيان ممن يجهل فوائد الشورى ويهمل الأخذ بها ، وما كان يصد في المهمات إلا عن مشورة، فقد كان يشاور ذوي الرأي من الولاة ووجوه الناس وأشراف القوم وأهل العلم وكان ذلك سنة من جاء بعده من الخلفاء من بني أمية، وكان من كبار مستشاري معاوية رضي الله عنه عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وكان يستشير الوفود التي كانت تأتيه ، وكان الناس يتكلمون بحرية فيعرضون آراءهم ، ويهتم الخليفة بها كل الاهتمام، ويناقشهم فيها ويحقق ما يمكن تحقيقه منها والحكم يعتمد على مستشارين أكفاء وكتّاب قادرين، أطلقت يدهم في العمل، ومنحهم الخليفة ثقته، وشدّهم بسلطانه، والحكم لم يكن متمركزاً في شخص الخليفة ، فمملكته واسعة ولا يستطيع أن يضطلع بكل أمر، وهو يرسل ولاته على الأقطار ويطلق لهم اليد في شؤونها، وهو لا يولي إلا من يثق به، ولا يعطي السلطان إلا لمن لا يخشاه ، وولاته يستشيرهم في حدود معينة. وأما أمر الخلافة فحصر في بني أمية، وأصبح أمرها خاصاً بالبيت الأموي، يفتي فيها بالمجامع الأموية خاصة من دون الناس، وكان الخلفاء من بني أمية يرجعون في شورى استخلاف السلطان ورد الطامعين به إلى الجماعة الأموية غالباً . ومن هنا يمكن القول بوجود نوعين من الشورى في عهد بني أمية أولهما شورى تتعلق بالأمور والمصالح العامة، وكان الخلفاء من بني أمية يرجعون فيها إلى ذوي الرأي من أشراف القوم والولاة وغيرهم وثانيها شورى تتعلق بالسلطان خاصة، وكان الخلفاء من بني أمية يفزعون فيها إلى آل بيتهم ويقضون فيها بينهم  . وقيادة معاوية للدولة لم تكن فردية خالصة، فاللامركزية في الحكم والإدارة في الأغلب، ومشاركة الرجال من أهل الرأي والخبرة في حمل المسئولية والقيام بأعباء الدولة في السلم والحرب وفي المركز والولايات، ووجود الإسلام في حياة الفرد والمجتمع والدولة سلوكاً ونظام حكم منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، تقلل من مظهر القيادة الفردية ومساوئها، وتعزز مظهر الشورى وغلبة الاتجاه العام الثابت في السياسة والقيادة والإدارة وتصريف الأمور ورعاية المصالح ، كما أن تحول الخلافة الراشدة إلى ملك وراثي لم يكن يعني تحولاً كاملاً عن شورى الراشدين أو ارتداداً عن أوامر الإسلام ومنهجه في الحكم، وقد كان لذلك ما يبرره من تطور إجتماعي وسياسي ولقد بقيت ـ في عهد معاوية ـ والعصر الأموي ـ كما يقرر ابن خلدون ـ: معاني الخلافة من تحري الدين ومذاهبه، والجري على مذاهب الحق، ولم يظهر التغير إلا في الوازع الذي كان ديناً ثم انقلب عصبية وسيفاً، وهكذا كان الأمر لعهد معاوية ومروان وابنه عبد الملك والصدر، الأول من خلفاء بني العباس إلى الرشيد وبعض ولده، ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا إسمها . وما ذهب إليه ابن خلدون ليس على إطلاقه ففي عهد الدوة العثمانية في زمن محمد الفاتح انتعشت بعض معاني ومقاصد الخلافة، من الفتوحات، والدعوة، وإعزاز الإسلام، والعدل، ولم يذم الشرع العصبية أو الملك لما كان القصد منها إقامة الدين، وإظهار الحق، وقد سأل سليمان عليه السلام ربه فقال : ((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)) (ص ، الآية : 35)، لما علم من نفسه أنه بمعزل عن الباطل في النبوة والملك ، وعلى ذلك فإن (( الملك الذي يخالف بل ينافي الخلافة هو الجبروتية ، التي يقصد بها قهر الناس بغير حق، ولم يكن ذلك شأن معاوية في خلافته، وقد استرعى انتباه بعض فقهائنا ومؤرخينا ذلك القرب الشديد بين مقاصد خلافة معاوية ومقاصد خلافة الراشدين، لذلك فقد رأى ابن تيمية:.. فهذا يقتضي أن شوب الخلافة بالملك جائز في شريعتنا، وأن ذلك لا ينافي العادل، وإن كانت الخلافة المحضة أفضل ، ولن نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا إن معاوية وبعض خلفاء بني أمية كان يود لو سار سيرة الراشدين كاملة، ولكنهم كانوا قادرين على ذلك في تفاعلهم مع أحوال رعيتهم وظروف عصرهم، وإن ذلك الأفق العالي والمثل الرفيع الذي قدمه الخلفاء الراشدون للسياسة الإسلامية والإنسانية كان يعمل تأثيره الجذاب عند بعض الخلفاء والرعية على السواء، ولكنه كان أيضاً يستعلي على قدراتهم، فيجهدون أنفسهم لتحقيقه، ثم يعودون إلى جذبة الواقع مقرين بصعوبة المحاولة والتجربة ، ولقد سأل معاوية يوماً ولده وولي عهده يزيد كيف سيعمل بعد استخلافه؟ فقال: أعمل فيهم عمل عمر بن الخطاب، فتبسم معاوية وقال: والله لقد جهدت أن أعمل فيها عمل عثمان فلم أقدر، أتعمل أنت فيهم بعمل عمر بن الخطاب ؟، ولا يعني ذلك أن العودة إلى صفا الحياة في عصر الخلفاء الراشدين أمر مستحيل، ولكن لا يأتي به الحاكم وحده وإن صلحت نيته، وعظمت عزيمته، بل لا بد من تحقيق ذلك القدر من التوافق والانسجام بين الراعي والرعية حيث يتعاون الجميع على تحقيق ذلك المجتمع الطيب، وطريق ذلك طويل وشاق ويحتاج إلى أجيال من الدعاة والحكام الذين يبذلون جهدهم لتربية الرعية على كمال الإيمان، ويعطون القدوة في ذلك والمثل، ويستفرغون في ذلك وذاك وقتهم وجهدهم ، وقد كان ابن تيمية يعبر عن هذه الحقيقة حين يرى أنه إن ساء الحكم في مجتمع ما كان ذلك لنقص في الراعي والرعية  معاً. إن الشورى في عهد معاوية والدولة الأموية تقلصت عمّا كانت عليه في عهد الخلافة الراشدة وبقيت في عهد معاوية بعض جوانبها ولم تتقدم كلياً كما يطرح البعض .

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق