66
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول
وذكر تمامه
وهذا من باب الهضم والتواضع، أو نهي عن التفضيل بين الأنبياء، على وجه الغضب والعصبية، أو ليس هذا إليكم، بل الله هو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات، وليس ينال هذا بمجرد الرأي، بل بالتوقيف.
ومن قال إن هذا قاله قبل أن يعلم أنه أفضل، ثم نسخ باطلاعه على أفضليته عليهم كلهم، ففي قوله نظر، لأن هذا من رواية أبي سعيد، وأبي هريرة، وما هاجر أبو هريرة إلا عام حنين، متأخراً فيبعد أنه لم يعلم بهذا إلا بعد هذا، والله اعلم.
ولا شكَّ أنه صلوات الله وسلامه عليه أفضل البشر بل الخليقة، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَاسَ} [آل عمران: 110] وما كملوا إلا بشرف نبيهم.
وثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال:
((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر)).
ثم ذكر اختصاصه بالمقام المحمود، الذي يغبطه به الأولون والآخرون، الذي تحيد عنه الأنبياء والمرسلون، حتى أولو العزم الأكملون: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى بن مريم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشاً بقائمة العرش)). أي: آخذاً بها، ((فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور)) دليل على أن هذا الصعق الذي يحصل للخلائق في عرصات القيامة، حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده، فيصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلال، فيكون أولهم إفاقة، محمد خاتم الأنبياء، ومصطفى رب الأرض والسماء، على سائر الأنبياء. فيجد موسى باطشاً بقائمة العرش.
قال الصادق المصدوق: ((لا أدري أصعق فأفاق قبلي)) أي: كانت صعقته خفيقة، لأنه قد ناله بهذا السبب في الدنيا صعق، ((أو جوزي بصعقة الطور؟)) يعني: فلم يصعق بالكلية.
وهذا شرف كبير لموسى عليه السلام من هذه الحيثية، ولا يلزم تفضيله بها مطلقاً من كل وجه. (ج/ص: 1/ 332)
ولهذا نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على شرفه وفضيلته بهذه الصفة، لأن المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، قد يحصل في نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى عليه السلام، فبين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلته وشرفه.
وقوله تعالى: {قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} أي: في ذلك الزمان لا ما قبله، لأن إبراهيم الخليل أفضل منه، كما تقدم بيان ذلك في قصة إبراهيم، ولا ما بعده لأن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل منهما، كما ظهر شرفه ليلة الإسراء على جميع المرسلين والأنبياء، وكما ثبت أنه قال:
((سأقوم مقاماً يرغب إلى الخلق حتى إبراهيم)).
وقوله تعالى: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 144] أي: فخذ ما أعطيتك من الرسالة والكلام، ولا تسأل زيادة عليه، وكن من الشاكرين على ذلك.
قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: 145] وكانت الألواح من جوهر نفيس. ففي الصحيح: أن الله كتب له التوراة بيده، وفيها مواعظ عن الآثام وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام.
{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} أي: بعزم ونية صادقة قوية. {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} أي: يضعوها على أحسن وجوهها، وأجمل محاملها. {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} أي: ستروا عاقبة الخارجين عن طاعتي، المخالفين لأمري، المكذبين لرسلي.
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ} عن: فهمها وتدبرها وتعقل معناها الذي أريد منها، ودل عليه مقتضاها {الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا} أي: ولو شاهدوا مهما شاهدوا من الخوارق والمعجزات، لا ينقادوا لاتباعها
{وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} أي: لا يسلكوه ولا يتبعوه {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي: صرفناهم عن ذلك لتكذيبهم بآياتنا، وتغافلهم عنها، وإعراضهم عن التصديق بها، والتفكر في معناها، وترك العمل بمقتضاها.
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق