إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 1 مارس 2015

65 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول سؤال الرؤية


65

البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول

 سؤال الرؤية


قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ * قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ * سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 142-147‏]‏‏.‏

قال جماعة من السلف منهم ابن عباس، ومسروق، ومجاهد‏:‏ الثلاثون ليلة هي‏:‏ شهر ذي القعدة بكماله، وأتمت أربعين ليلة بعشر ذي الحجة، فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر، وفي مثله أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم دينه، وأقام حجته وبراهينه‏.‏

والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات، وكان فيه صائماً يقال‏:‏ إنه لم يستطعم الطعام، فلما كمل الشهر أخذ لحا شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه، فأمر الله أن يمسك عشراً أخرى، فصارت أربعين ليلة‏.‏ ولهذا ثبت في الحديث‏:‏ ‏(‏‏(‏أن خلو فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك‏)‏‏)‏‏.‏

فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هرون، المحبب المبجل الجليل، وهو ابن أمه وأبيه، ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه، فوصاه وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا‏}‏ أي‏:‏ في الوقت الذي أمر بالمجىء فيه ‏{‏وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ‏}‏ أي‏:‏ كمله الله من وراء حجاب، إلا أنه أسمعه الخطاب، فناداه وناجاه وقربه وأدناه، وهذا مقام رفيع، ومعقل منيع، ومنصب شريف، ومنزل منيف، فصلوات الله عليه تترى، وسلامه عليه في الدنيا والأخرى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 330‏)‏

ولما أعطى هذه المنزلة العلية، والمرتبة السنية، وسمع الخطاب، سأل رفع الحجاب، فقال للعظيم الذي لا تدركه الأبصار، القوى البرهان‏:‏ ‏{‏رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي‏}‏

ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى، لأن الجبل الذي هو أقوى، وأكبر ذاتاً، وأشد ثباتاً من الإنسان، لا يثبت عند التجلي من الرحمان، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي‏}‏‏.‏

وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال له‏:‏ يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده‏.‏

وفي ‏(‏الصحيحين‏)‏ عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏

‏(‏‏(‏حجابه النور‏)‏‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏‏(‏النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏ ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى لشيء لا يقوم له شيء‏.‏

ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قال مجاهد‏:‏ ‏{‏وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي‏}‏ فإنه أكبر منك، وأشد خلقاً‏.‏ فلما تجلى ربه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل، فخر صعقاً‏.‏

وقد ذكرنا في التفسير، ما رواه الإمام أحمد، والترمذي، وصححه ابن جرير والحاكم، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، زاد ابن جرير، وليث عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً‏}‏ قال‏:‏ هكذا بإصبعه، ووضع النبي صلى الله عليه وسلم الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل‏.‏ لفظ ابن جرير‏.‏

وقال السدي عن عكرمة، وعن ابن عباس‏:‏ ما تجلى يعني‏:‏ من العظمة إلا قدر الخنصر، فجعل الجبل دكاً، قال‏:‏ تراباً‏.‏

‏{‏وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً‏}‏ أي‏:‏ مغشياً عليه‏.‏ وقال قتادة‏:‏ ميتاً، والصحيح الأول، لقوله‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا أَفَاقَ‏}‏ فإن الإفاقة إنما تكون عن غشي، قال‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَكَ‏}‏ تنزيه، وتعظيم، وإجلال إن يراه بعظمته أحد ‏{‏تُبْتُ إِلَيْكَ‏}‏ أي‏:‏ فلست أسأل بعد هذا الرؤية ‏{‏وأنا أول المؤمنين‏}‏ أنه لا يراك حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 331‏)‏

وقد ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ من طريق عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني الأنصاري، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي، أو جوزي بصعقة الطور‏)‏‏)‏‏.‏

لفظ البخاري‏.‏

وفي أوله قصة اليهودي الذي لطم وجهه الأنصاري، حين قال‏:‏ لا والذي اصطفى موسى على البشر، فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تخيروني من بين الأنبياء ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏‏.‏

وفي ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ من طريق الزهري، عن أبي سلمة، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وفيه‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تخيروني على موسى ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏‏.‏



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق