إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 1 مارس 2015

61 + البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول تابع القصل


61 +

البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول

تابع القصل

والمقصود أن الله تعالى لم يهلكهم إلا بعد إقامة الحجج عليهم، وإرسال الرسول إليهم، وإزاحة الشبه عنهم، وأخذ الحجة عليهم منهم، فبالترهيب تارة، والترغيب أخرى، كما قال تعالى‏:‏

‏{‏وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 130-133‏]‏‏.‏

يخبر تعالى أنه ابتلى آل فرعون، وهم قومه من القبط بالسنين وهي أعوام الجدب التي لا يستغل فيها زرع، ولا ينتفع بضرع‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ‏}‏ وهي‏:‏ قلة الثمار من الأشجار‏.‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ‏}‏ أي‏:‏ فلم ينتفعوا ولم يرعوا، بل تمردوا واستمروا على كفرهم وعنادهم، ‏{‏فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ‏}‏ والخصب ونحوه ‏{‏قَالُوا لَنَا هَذِهِ‏}‏ أي‏:‏ هذا الذي نستحقه، وهذا الذي يليق بنا‏.‏

‏{‏وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ‏}‏ أي‏:‏ يقولون هذا بشؤمهم أصابنا هذا، ولا يقولون في الأول أنه بركتهم وحسن مجاورتهم لهم، ولكن قلوبهم منكرة مستكبرة نافرة عن الحق، إذا جاء الشر أسندوه إليه، وإن رأوا خيراً ادعوه لأنفسهم‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ الله يجزيهم على هذا أوفر الجزاء‏.‏ ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

‏{‏وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ مهما جئتنا به من الآيات - وهي الخوارق للعادات - فلسنا نؤمن بك، ولا نتبعك ولا نطيعك ولو جئتنا بكل آية‏.‏

وهكذا أخبر الله عنهم في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 96-97‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 307‏)‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 133‏]‏‏.‏

أما الطوفان فعن ابن عباس‏:‏ هو كثرة الأمطار المتلفة للزروع والثمار‏.‏ وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، والضحاك‏.‏

وعن ابن عباس، وعطاء‏:‏ هو كثرة الموت‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ الطوفان الماء، والطاعون على كل حال‏.‏

وعن ابن عباس‏:‏ أمر طاف بهم‏.‏

وقد روى ابن جرير، وابن مردويه، من طريق يحيى بن يمان، عن المنهال بن خليفة، عن الحجاج، عن الحكم بن مينا، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏

‏(‏‏(‏الطوفان الموت‏)‏‏)‏‏.‏

وهو غريب‏.‏

وأما الجراد‏:‏ فمعروف‏.‏

وقد روى أبو داود، عن أبي عثمان، عن سلمان الفارسي قال‏:‏ سئل رسول الله عن الجراد فقال‏:‏

‏(‏‏(‏أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه‏)‏‏)‏‏.‏

وترك النبي صلى الله عليه وسلم أكله إنما هو على وجه التقذر له، كما ترك أكل الضـب، وتنزه عن أكل البصل والثوم والكراث، لما ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ عن عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد‏.‏

وقد تكلمنا على ما ورد فيه من الأحاديث والآثار في التفسير‏.‏

والمقصود أنه استاق خضراءهم، فلم يترك لهم زرعاً ولا ثماراً ولا سبدا ولا لبداً‏.‏

وأما القمل‏:‏ فعن ابن عباس‏:‏ هو السوس الذي يخرج من الحطنة، وعنه‏:‏ أنه الجراد الصغار الذي لا أجنحة له‏.‏ وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة‏.‏

وقال سعيد بن جبير، والحسن‏:‏ هو دواب سود صغار‏.‏

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏:‏ القمل‏:‏ هي البراغيث‏.‏

وحكى ابن جرير عن أهل العربية‏:‏ أنها الحمنان‏:‏ وهو صغار القردان -فوق القمقامة - فدخل معهم البيوت والفرش، فلم يقر لهم قرار، ولم يمكنهم معه الغمض ولا العيش‏.‏

وفسره عطاء بن السائب بهذا القمل المعروف، وقرأها الحسن البصري كذلك بالتخفيف‏.‏

وأما الضفادع فمعروفة لبستهم حتى كانت تسقط في أطعماتهم وأوانيه، حتى إن أحدهم إذا فتح فمه لطعام أو شراب سقطت في فيه ضفدعة من تلك الضفادع‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 308‏)‏

وأما الدم فكان قد مزج ماؤهم كله به، فلا يستقون من النيل شيئاً إلا وجدوه دماً عبيطاً، ولا من نهر ولا بئر ولا شيء إلا كان دماً في الساعة الراهنة، هذا كله لم ينل بني إسرائيل من ذلك شيء بالكلية، وهذا من تمام المعجزة الباهرة، والحجة القاطعة، أن هذا كله يحصل لهم من فعل موسى عليه السلام، فينالهم عن آخرهم، ولا يحصل هذا لأحد من بني إسرائيل وفي هذا أدل دليل‏.‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مفلولاً، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر وتابع الله عليه بالآيات، فأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم آيات مفصلات، فأرسل الطوفان‏:‏ وهو الماء ففاض على وجه الأرض ثم ركد، لا يقدرون على أن يخرجوا ولا أن يعملوا شيئاً، حتى جهدوا جوعاً‏.‏

فلما بلغهم ذلك قالوا يا موسى‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 134‏]‏ فدعا موسى ربه فكشفه عنهم، فلما لم يفوا له بشيء فأرسل الله عليهم الجراد، فأكل الشجر فيما بلغني حتى أن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القمل‏.‏

فذكر لي أن موسى عليه السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم، فضربه بها فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا له، فدعا ربه فكشف عنهم‏.‏

فلما لم يفوا له بشيء مما قالوا، أرسل الله عليهم الضفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلم يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلب عليه، فلما جهدهم ذلك، قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم، فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً‏.‏

وقال زيد بن أسلم‏:‏ المراد بالدم الرعاف‏.‏ رواه ابن أبي حاتم‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 134-136‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 309‏)‏

يخبر تعالى عن كفرهم، وعتوهم، واستمرارهم على الضلال والجهل، والاستكبار عن إتباع آيات الله، وتصديق رسوله، مع ما أيد به من الآيات العظيمة الباهرة، والحجج البليغة القاهرة، التي أراهم الله إياها عياناً، وجعلها عليهم دليلاً وبرهاناً‏.‏

وكلما شاهدوا آية وعاينوها وجهدهم وأضنكهم، حلفوا وعاهدوا موسى، لئن كشف عنهم هذه ليؤمنن به، وليرسلن معه من هو من حزبه، فكلما رفعت عنهم تلك الآية عادوا إلى شر مما كانوا عليه، وأعرضوا عما جاءهم به من الحق، ولم يلتفتوا إليه، فيرسل الله عليهم آية أخرى، هي أشد مما كانت قبلها وأقوى، فيقولون فيكذبون، ويعدون ولا يفون، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل، فيكشف عنهم ذلك العذاب الوبيل‏.‏

ثم يعودون إلى جهلهم العريض الطويل هذا، والعظيم الحليم القدير ينظرهم، ولا يعجل عليهم، ويؤخرهم ويتقدم بالوعيد إليهم، ثم أخذهم بعد إقامة الحجة عليهم، والإنذار إليهم أخذ عزيز مقتدر، فجعلهم عبرة ونكالاً وسلفاً لمن أشبههم من الكافرين، ومثلاً لمن اتعظ بهم من عباده المؤمنين، كما قال تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين، في سورة حم والكتاب المبين‏:‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ * وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا أسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 46-56‏]‏‏.‏

يذكر تعالى إرساله عبده الكليم الكريم، إلى فرعون الخسيس اللئيم، وأنه تعالى أيد رسوله بآيات بينات واضحات، تستحق أن تقابل بالتعظيم والتصديق، وأن يرتدعوا عما هم فيه من الكفر، ويرجعوا إلى الحق والصراط المستقيم، فإذا هم منها يضحكون، وبها يستهزئون، وعن سبيل الله يصدون، وعن الحق ينصرفون، فأرسل الله عليهم الآيات تترى، يتبع بعضها بعضاً، وكل آية أكبر من التي تتلوها، لأن التوكيد أبلغ مما قبله‏:‏

‏{‏وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ‏}‏ لم يكن لفظ الساحر في زمنهم نقصاً ولا عيباً، لأن علماءهم في ذلك الوقت هم السحرة، ولهذا خاطبوه به في حال احتياجهم إليه وضراعتهم لديه‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ‏}‏‏.‏

ثم أخبر تعالى عن تبجح فرعون بملكه، وعظمة بلده وحسنها، وتخرق الأنهار فيها، وهي الخلجانات التي يكسرونها أمام زيادة النيل، ثم تبجح بنفسه وحليته، وأخذ يتنقص رسول الله موسى عليه السلام، ويزدريه بكونه ‏{‏وَلَا يَكَادُ يُبِينُ‏}‏ يعني‏:‏ كلامه، بسبب ما كان في لسانه من بقية تلك اللثغة، التي هي شرف له، وكمال، وجمال‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 310‏)‏

ولم تكن مانعة له أن كلمه الله تعالى وأوحى إليه، وأنزل بعد ذلك التوراة عليه، وتنقصه فرعون - لعنه الله - بكونه لا أساور في بدنه، ولا زينة عليه، وإنما ذلك من حلية النساء، لا يليق بشهامة الرجال، فكيف بالرسل الذين هم أكمل عقلاً، وأتم معرفة، وأعلى همة، وأزهد في الدنيا، وأعلم بما أعد الله لأوليائه في الأخرى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ‏}‏ لا يحتاج الأمر إلى ذلك، إن كان المراد أن تعظمه الملائكة، فالملائكة يعظمون ويتواضعون لمن هو دون موسى عليه السلام بكثير، كما جاء في الحديث‏:‏

‏(‏‏(‏إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يصنع‏)‏‏)‏‏.‏

فكيف يكون تواضعهم وتعظيمهم لموسى الكليم عليه الصلاة والتسليم والتكريم‏.‏

وإن كان المراد شهادتهم له بالرسالة، فقد أيد من المعجزات بما يدل قطعاً لذوي الألباب، ولمن قصد إلى الحق والصواب، ويعمى عما جاء به من البينات، والحجج الواضحات، من نظر إلى القشور، وترك لب اللباب، وطبع على قلبه رب الأرباب، وختم عليه بما فيه من الشك والارتياب، كما هو حال فرعون القبطي العمي الكذاب‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ‏}‏ أي‏:‏ استخف عقولهم، ودرجهم من حال إلى حال، إلى أن صدقوه في دعواه الربوبية، لعنه الله وقبحهم‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ‏}‏‏.‏

‏{‏فَلَمَّا أسَفُونَا‏}‏ أي‏:‏ أغضبونا ‏{‏انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ بالغرق، والإهانة، وسلب العز، والتبدل بالذل، وبالعذاب بعد النعمة، والهوان بعد الرفاهية، والنار بعد طيب العيش، عياذاً بالله العظيم، وسلطانه القديم من ذلك‏.‏

‏{‏فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً‏}‏ أي‏:‏ لمن اتبعهم في الصفات ‏{‏وَمَثَلاً‏}‏ أي‏:‏ لمن اتعظ بهم، وخاف من وبيل مصرعهم، ممن بلغه جليه خبرهم، وما كان من أمرهم، كما قال الله تعالى‏:‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 36-42‏]‏‏.‏

يخبر تعالى أنهم لما استكبروا عن اتباع الحق، وادعى ملكهم الباطل، ووافقوه عليه وأطاعوه فيه، اشتد غضب الرب القدير العزيز الذي لا يغالب، ولا يمانع عليهم، فانتقم منهم أشد الانتقام، وأغرقه هو وجنوده في صبيحة واحدة، فلم يفلت منهم أحد، ولم يبق منهم ديار، بل كل قد غرق فدخل النار، وأتبعوا في هذه الدار لعنة بين العالمين، ويوم القيامة بئس الرفد المرفود، ويوم القيامة هم من المقبوحين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 311‏)‏



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق