إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 1 مارس 2015

61 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول فصل‏:‏



61


البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الأول

 فصل‏:‏

ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم، وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل، وأسلم السحرة الذين استنصروا ربهم، لم يزدهم ذلك إلا كفراً وعناداً وبعداً عن الحق‏.‏

قال الله تعالى بعد قصص ما تقدم في سورة الأعراف‏:‏

‏{‏وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 127-129‏]‏‏.‏

يخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون وهم‏:‏ الأمراء، والكبراء، أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى عليه السلام، ومقابلته بدل التصديق بما جاء به بالكفر والرد والأذى‏.‏

قالوا‏:‏ ‏{‏أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ‏}‏ يعنون - قبحهم الله - أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة ما سواه، فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط - لعنهم الله -

وقرأ بعضهم‏:‏ ‏(‏وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ‏)‏ أي‏:‏ وعبادتك‏.‏ ويحتمل شيئين‏:‏ أحدهما‏:‏ ويذر دينك وتقويه القراءة الأخرى، الثاني‏:‏ ويذر أن يعبدك، فإنه كان يزعم أنه إله لعنه الله‏.‏

‏{‏قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ‏}‏ أي‏:‏ لئلا يكثر مقاتلتهم‏.‏

‏{‏وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ غالبون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 300‏)‏

‏{‏قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ أي‏:‏ إذا هموا همَّ بأذيتكم، والفتك بكم، فاستعينوا أنتم بربكم، واصبروا على بليتكم‏.‏

‏{‏إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ أي‏:‏ فكونوا أنتم المتقين لتكون لكم العاقبة‏.‏

كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 84-86‏]‏‏.‏

وقولهم‏:‏ ‏{‏قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا‏}‏ أي‏:‏ قد كانت الأبناء تقتل قبل مجيئك، وبعد مجيئك إلينا‏.‏

‏{‏قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 129‏]‏‏.‏

وقال الله تعالى في سورة حم المؤمن‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 23-24‏]‏‏.‏

وكان فرعون الملك، وهامان الوزير، وكان قارون إسرائيلياً من قوم موسى، إلا أنه كان على دين فرعون وملائه، وكان ذا مال جزيل جداً كما ستأتي قصته فيما بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 25‏]‏ وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة موسى إنما كان على وجه الإهانة، والإذلال، والتقليل لملأ بني إسرائيل، لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها ويصولون على القبط بسببها، وكانت القبط منهم يحذرون فلم ينفعهم ذلك، ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء كن فيكون‏.‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 26‏]‏ ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم‏:‏ صار فرعون مذكراً، وهذا منه، فإن فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم موسى عليه السلام‏.‏

‏{‏وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 27‏]‏ أي‏:‏ عذت بالله، ولجأت إليه بجنابه، من أن يسطو فرعون وغيره على بسوء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ‏}‏ أي‏:‏ جبار عنيد، لا يرعوي ولا ينتهي ولا يخاف عذاب الله وعقابه، لأنه لا يعتقد معاداً ولا جزاء، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ‏}‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 301‏)‏‏.‏

‏{‏وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 28-29‏]‏

وهذا الرجل هو ابن عم فرعون، وكان يكتم إيمانه من قومه، خوفاً منهم على نفسه‏.‏ وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيلياً، وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظاً ومعنى، والله أعلم‏.‏

قال ابن جريج‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا، والذي جاء من أقصى المدينة، وامرأة فرعون‏.‏

رواه ابن أبي حاتم‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ لا يعرف من اسمه شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون‏.‏ حكاه السهيلي، وفي تاريخ الطبراني أن اسمه خير‏.‏ فالله أعلم‏.‏

والمقصود أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه، فلما همّ فرعون - لعنه الله - بقتل موسى عليه السلام، وعزم على ذلك وشاور ملائه فيه، خاف هذا المؤمن على موسى، فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب، فقال على وجه المشورة والرأي‏.‏

وقد ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا من أعلى مراتب هذا المقام، فإن فرعون لأشد جوراً منه، وهذا الكلام لا أعدل منه، لأن فيه عصمة نبي، ويحتمل أنه كاشفهم بإظهار إيمانه وصرح لهم بما كان يكتمه، والأول أظهر‏.‏ والله أعلم‏.‏

‏{‏أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ من أجل أنه قال ربي الله فمثل هذا لا يقابل بهذا، بل بالإكرام والاحترام والموادعة، وترك الانتقام يعني لأنه ‏{‏وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏ أي‏:‏ بالخوارق التي دلت على صدقه فيما جاء به عمن أرسله‏.‏

فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة لأنه ‏{‏وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ‏}‏ ولا يضركم ذلك‏.‏ ‏{‏وَإِنْ يَكُ صَادِقاً‏}‏ وقد تعرضتم له ‏{‏يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ‏}‏ أي‏:‏ وأنتم تشققون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به، فكيف بكم إن حل جميعه عليكم‏.‏

وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 302‏)‏

وقوله‏:‏ ‏{‏يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 29‏]‏ يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز، فإنه ما تعرض الدول للدين إلا سلبوا ملكهم، وذلوا بعد عزهم، وكذا وقع لآل فرعون ما زالوا في شك وريب، ومخالفة ومعاندة لما جاءهم موسى به حتى أخرجهم الله مما كانوا فيه، من الملك والأملاك، والدور والقصور، والنعمة والحبور‏.‏

ثم حولوا إلى البحر مهانين، ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة، إلى أسفل السافلين، ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق، البار الراشد التابع للحق، الناصح لقومه، الكامل العقل‏:‏ ‏{‏يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ عالين على الناس حاكمين عليهم‏.‏

‏{‏فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا‏}‏ أي‏:‏ لو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعدة، والقوة والشدة لما نفعنا ذلك، ولا رد عنا بأس مالك الممالك‏.‏

‏{‏قَالَ فِرْعَوْنُ‏}‏ أي‏:‏ في جواب هذا كله ‏{‏مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى‏}‏ أي‏:‏ ما أقول لكم إلا ما عندي، ‏{‏وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ‏}‏ وكذب في كل من هذين القولين، وهاتين المقدمتين، فإنه قد كان يتحقق في باطنه وفي نفسه، أن هذا الذي جاء به موسى من عند الله لا محالة، وإنما كان يظهر خلافه بغياً وعدواناً وعتواً وكفراناً‏.‏

قال الله تعالى إخباراً عن موسى‏:‏

‏{‏قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُوراً * فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 102-104‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 13-14‏]‏‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ‏}‏ فقد كذب أيضاً، فإنه لم يكن على رشاد من الأمر، بل كان على سفه وضلال وخبل وخيال، فكان أولاً ممن يعبد الأصنام والأمثال، ثم دعا قومه الجهلة الضلال، إلى أن اتبعوه وطاوعوه وصدقوه فيما زعم من الكفر المحال، في دعواه أنه رب، تعالى الله ذو الجلال‏.‏

قال الله تعالى‏:‏

‏{‏وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 51-56‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 20-26‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 96-99‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 303‏)‏

والمقصود بيان كذبه في قوله‏:‏ ‏{‏مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى‏}‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ‏}‏‏.‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 30-35‏]‏‏.‏

يحذرهم ولي الله إن كذبوا برسول الله موسى، أن يحل بهم ما حل بالأمم من قبلهم، من النقمات والمثلات مما تواتر عندهم وعند غيرهم، ما حل بقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى زمانهم ذلك، مما أقام به الحجج على أهل الأرض قاطبة، في صدق ما جاءت به الأنبياء، لما أنزل من النقمة بمكذبيهم من الأعداء، وما أنجى الله من اتبعهم من الأولياء، وخوفهم يوم القيمة - وهو يوم التناد -‏.‏

أي‏:‏ حين ينادي الناس بعضهم بعضاً حين يولون مدبرين إن قدروا على ذلك ولا إلى ذلك سبيل‏.‏ ‏{‏يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 10-12‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 33-36‏]‏‏.‏

وقرأ بعضهم‏:‏ ‏(‏يوم التناد‏)‏ بتشديد الدال، أي‏:‏ يوم الفرار‏.‏ ويحتمل أن يكون يوم القيامة، ويحتمل أن يكون يوم يحل الله بهم البأس فيودون الفرار، ولات حين مناص‏.‏

‏{‏فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 12-13‏]‏ ثم أخبرهم عن نبوة يوسف في بلاد مصر، ما كان منه من الإحسان إلى الخلق في دنياهم وأخراهم، وهذا من سلالته وذريته، ويدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته، وأن لا يشركوا به أحداً من بريته‏.‏

وأخبر عن أهل الديار المصرية في ذلك الزمان أي‏:‏ من سجيتهم التكذيب بالحق، ومخالفة الرسل ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 34‏]‏ أي وكذبتم في هذا، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 34-35‏]‏‏.‏

أي‏:‏ يريدون حجج الله وبراهينه، ودلائل توحيده بلا حجة ولا دليل عندهم من الله، فإن هذا أمر يمقته الله غاية المقت، أي‏:‏ يبغض من تلبس به من الناس، ومن اتصف به من الخلق ‏{‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ‏}‏ قرىء بالإضافة وبالنعت، وكلاهما متلازم‏.‏ أي‏:‏ هكذا إذا خالفت القلوب الحق - ولا تخالفه إلا بلا برهان - فإن الله يطبع عليها أي‏:‏ يختم عليها بما فيها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 304‏)‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 36-37‏]‏‏.‏

كذب فرعون موسى عليه السلام في دعواه أن الله أرسله، وزعم فرعون لقومه ما كذبه وافتراه في قوله لهم‏:‏ ‏{‏مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 33‏]‏‏.‏

وقال ههنا‏:‏ ‏{‏لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ أي‏:‏ طرقها ومسالكها‏.‏ ‏{‏فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً‏}‏ ويحتمل هذا معنيين‏:‏

أحدهما‏:‏ وإني لأظنه كاذباً في قوله‏:‏ إن للعالم رباً غيري‏.‏

والثاني‏:‏ في دعواه أن الله أرسله‏.‏

والأول أشبه بظاهر حال فرعون فإنه كان ينكر ظاهر إثبات الصانع، والثاني أقرب إلى اللفظ حيث قال‏:‏ فأطلع إلى إله موسى أي‏:‏ فأسأله هل أرسله أم لا‏.‏

‏{‏وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً‏}‏ أي‏:‏ في دعواه ذلك، وإنما كان مقصود فرعون أن يصد الناس عن تصديق موسى عليه السلام، وأن يحثهم على تكذيبه‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 37‏]‏ وقرئ‏:‏ وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب‏.‏

قال ابن عباس، ومجاهد يقول‏:‏ إلا في خسار أي‏:‏ باطل لا يحصل له شيء من مقصوده الذي رامه، فإنه لا سبيل للبشر أن يتوصلوا بقواهم إلى نيل السماء أبدا، أعني السماء الدنيا، فكيف بما بعدها من السموات العلى‏؟‏ وما فوق ذلك من الارتفاع الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل‏.‏

وذكر غير واحد من المفسرين أن هذا الصرح، وهو القصر الذي بناه وزيره هامان له لم يرَ بناء أعلى منه، وإن كان مبنياً من الآجر المشوي بالنار‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً‏}‏‏[‏القصص‏:‏ 38‏]‏‏.‏

وعند أهل الكتاب أن بني إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن، وكان مما حملوا من التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شيء مما يحتاجون إليه فيه، بل كانوا هم الذين يجمعون ترابه وتبنه وماءه، ويطلب منهم كل يوم قسط معين إن لم يفعلوه، وإلا ضربوا وأهينوا غاية الإهانة، وأوذوا غاية الأذية‏.‏

ولهذا قالوا لموسى‏:‏ ‏{‏أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏}‏ فوعدهم بأن العاقبة لهم على القبط، وكذلك وقع، وهذا من دلائل النبوة‏.‏ ولنرجع إلى نصيحة المؤمن وموعظته واحتجاجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 305‏)‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 38-40‏]‏‏.‏

يدعوهم رضي الله عنه إلى طريق الرشاد والحق، وهي متابعة نبي الله موسى وتصديقه فيما جاء به من ربه، ثم زهدهم في الدنيا الدنية الفانية المنقضية لا محالة، ورغبهم في طلب الثواب عند الله، الذي لا يضيع عمل عامل لديه، القدير الذي ملكوت كل شيء بيديه، الذي يعطي على القليل كثيراً، ومن عدله لا يجازي على السيئة إلا مثلها‏.‏

وأخبرهم أن الآخرة هي دار القرار، التي من وافاها - مؤمناً قد عمل الصالحات - فلهم الجنات العاليات، والغرف الآمنات، والخيرات الكثيرة الفائقات، والأرزاق الدائمة التي لا تبيد، والخير الذي كل ما لهم منه في مزيد‏.‏

ثم شرع في إبطال ما هم عليه، وتخويفهم مما يصيرون إليه فقال‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 41-46‏]‏‏.‏

كان يدعوهم إلى عبادة رب السموات والأرض، الذي يقول للشيء كن فيكون، وهم يدعونه إلى عبادة فرعون الجاهل الضال الملعون‏.‏

ولهذا قال لهم على سبيل الإنكار‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ‏}‏‏.‏

ثم بين لهم بطلان ما هم عليه من عبادة ما سوى الله من الأنداد والأوثان، وأنها لا تملك من نفع ولا إضرار، فقال‏:‏ ‏{‏لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ‏}‏ أي‏:‏ لا تملك تصرفاً ولا حكماً في هذه الدار، فكيف تملكه يوم القرار‏؟‏

وأما الله عز وجل، فإنه الخالق الرازق للأبرار والفجار، وهو الذي أحيا العباد ويميتهم ويبعثهم، فيدخل طائعهم الجنة، وعاصيهم إلى النار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 306‏)‏

ثم توعدهم إن هم استمروا على العناد بقوله‏:‏ ‏{‏فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ‏}‏‏.‏

قال الله‏:‏ ‏{‏فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا‏}‏ أي‏:‏ بإنكاره سلم مما أصابهم من العقوبة على كفرهم بالله، ومكرهم في صدهم عن سبيل الله، مما أظهروا للعامة من الخيالات والمحالات، التي ألبسوا بها على عوامهم وطغامهم‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَحَاقَ‏}‏ أي‏:‏ أحاط ‏{‏بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً‏}‏ أي‏:‏ تعرض أرواحهم في برزخهم صباحاً ومساء على النار‏.‏ ‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ‏}‏ وقد تكلمنا على دلالة هذه الآية على عذاب القبر في التفسير‏.‏ ولله الحمد‏.‏

يتبع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق