1326
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن
وهذه ترجمة يزيد بن معاوية
هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين أبو خالد الأموي.
ولد سنة خمس أو ست أو سبع وعشرين، وبويع له بالخلافة في حياة أبيه أن يكون ولي العهد من بعده، ثم أكد ذلك بعد موت أبيه في النصف من رجب سنة ستين، فاستمر متولياً إلى أن توفي في الرابع عشر من ربيع الأول سنة أربع وستين.
وأمه ميسون بنت مخول بن أنيف بن دلجة بن نفاثة بن عدي بن زهير بن حارثة الكلبي.
روى عن أبيه معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).
وحديثاً آخر في الوضوء.
وعنه ابنه خالد، وعبد الملك بن مروان، وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة، وهي العليا، وقال: له أحاديث، وكان كثير اللحم، عظيم الجسم، كثير الشعر، جميلاً طويلاً، ضخم الهامة، محدد الأصابع غليظها مجدراً.
وكان أبوه قد طلق أمه وهي حامل به، فرأت أمه في المنام أنه خرج منها قمر من قُبلها، فقصّت رؤياها على أمها فقالت: إن صدقت رؤياك لتلدن من يبايع له بالخلافة. (ج/ص: 8/249)
وجلست أمه ميسون يوماً تمشطه وهو صبي صغير، وأبوه معاوية مع زوجته الحظية عنده في المنظرة، وهي فاختة بنت قرظة، فلما فرغت من مشطه نظرت أمه إليه فأعجبها فقبلته بين عينيه، فقال معاوية عند ذلك:
إذا مات لم تفلح مزينة بعده * فنوطي عليه يا مزين التمائما
وانطلق يزيد يمشي وفاختة تتبعه بصرها ثم قالت: لعن الله سواد ساقي أمك.
فقال معاوية: أما والله إنه لخير من ابنك عبد الله - وهو ولده منها وكان أحمق -.
فقالت فاختة: لا والله لكنك تؤثر هذا عليه.
فقال: سوف أبين لك ذلك حتى تعرفينه قبل أن تقومي من مجلسك هذا، ثم استدعى بابنها عبد الله فقال له: إنه قد بدا لي أن أعطيك كل ما تسألني في مجلسي هذا.
فقال: حاجتي أن تشتري لي كلباً فارهاً وحماراً فارهاً.
فقال: يا بني أنت حمار وتشتري لك حماراً؟ قم فاخرج.
ثم قال لأمه: كيف رأيت؟
ثم استدعى بيزيد فقال: إني قد بدا لي أن أعطيك كل ما تسألني في مجلسي هذا، فسلني ما بدا لك.
فخر يزيد ساجداً ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الذي بلغ أمير المؤمنين هذه المدة، وأراه فيّ هذا الرأي.
حاجتي أن تعقد لي العهد من بعدك، وتوليني العام صائفة المسلمين، وتأذن لي في الحج إذا رجعت، وتوليني الموسم، وتزيد أهل الشام عشرة دنانير لكل رجل في عطائه، وتجعل ذلك بشفاعتي، وتعرض لأيتام بني جمح، وأيتام بني سهم، وأيتام بني عدي.
فقال: مالك ولأيتام بني عدي؟
فقال: لأنهم حالفوني وانتقلوا إلى داري.
فقال معاوية: قد فعلت ذلك كله، وقبّل وجهه.
ثم قال لفاختة بنت قرظة: كيف رأيت؟
فقالت: يا أمير المؤمنين أوصه بي فأنت أعلم به مني، ففعل.
وفي رواية: أن يزيد لما قال له أبوه: سلني حاجتك.
قال له يزيد: اعتقني من النار أعتق الله رقبتك منها.
قال: وكيف؟
قال: لأني وجدت في الآثار أنه من تقلد أمر الأمة ثلاثة أيام حرّمه الله على النار، فاعهد إليّ بالأمر من بعدك ففعل.
وقال العتبي: رأى معاوية ابنه يزيد يضرب غلاماً له فقال له: اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه، سوأة لك !! أتضرب من لا يستطيع أن يمتنع عليك؟
والله لقد منعتني القدرة من الانتقام من ذوي الأحن، وإن أحسن من عفا لمن قدر.
قلت: وقد ثبت في (الصحيح) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا مسعود يضرب غلاماً له فقال: ((اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه)).
قال العتبي: وقدم زياد بأموال كثيرة وبسفط مملوء جواهر على معاوية فسرّ بذلك معاوية، فقام زياد فصعد المنبر ثم أفتخر بما يفعله بأرض العراق من تمهيد الممالك لمعاوية. (ج/ص: 8/250)
فقام يزيد فقال: إن تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن زياد بن عبيد إلى حرب بني أمية.
فقال له معاوية: اجلس فداك أبي وأمي.
وعن عطاء بن السائب قال: غضب معاوية على ابنه يزيد فهجره.
فقال له الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين إنما هم أولادنا، ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، إن غضبوا فارضهم، وإن طلبوا فأعطهم، ولا تكن عليهم ثقلاً فيملوا حياتك ويتمنوا موتك.
فقال معاوية: لله درك يا أبا بحر، يا غلام ائت يزيد فأقره مني السلام وقل له: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بمائة ألف درهم، ومائة ثوب.
فقال يزيد: من عند أمير المؤمنين؟
فقال الأحنف، فقال يزيد: لا جرم لأقاسمنه، فبعث إلى الأحنف بخمسين ألفاً وخمسين ثوباً.
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا ابن عائشة، عن أبيه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق