إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1285 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن


1285
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

 وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب‏.‏

وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله، وخطب أصحابه في أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة، وقال لأصحابه‏:‏ من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فإن القوم إنما يريدونني‏.‏

فقال مالك بن النضر‏:‏ عليّ دين ولي عيال‏.‏

فقال‏:‏ هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه حجلاً، ليأخذ كل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم اذهبوا في بسيط الأرض في سواد هذا الليل إلى بلادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يريدونني، فلو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري، فاذهبوا حتى يفرج الله عزّ وجل‏.‏

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه‏:‏ لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره‏.‏

فقال الحسين‏:‏ يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم، اذهبوا فقد أذنت لكم‏.‏

قالوا‏:‏ فما تقول الناس إنا تركنا شيخنا، وسيدنا، وبني عمومتنا خير الأعمام، لم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، رغبة في الحياة الدنيا، لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك‏.‏

وقال نحو ذلك مسلم بن عوسجة الأسدي‏.‏

وكذلك قال سعيد بن عبد الله الحنفي‏:‏ والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك، والله لو علمت أني أقتل دونك ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك، لأحببت ذلك، وإنما هي قتلة واحدة‏.‏

وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً من وجه واحد، فقالوا‏:‏ والله لا نفارقك، وأنفسنا الفداء لك، نقيك بنحورنا وجباهنا، وأيدينا وأبداننا، فإذا نحن قتلنا وفينا وقضينا ما علينا‏.‏

وقال أخوه العباس‏:‏ لا أرانا الله يوم فقدك ولا حاجة لنا في الحياة بعدك‏.‏

وتتابع أصحابه على ذلك‏.‏

وقال أبو مخنف‏:‏ حدثني الحارث بن كعب، وأبو الضحاك، عن علي بن الحسين زين العابدين‏.‏

قال‏:‏ إني لجالس تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها، وعمتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبي في خبائه ومعه أصحابه، وعنده حويّ مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول‏:‏

يا دهر أفٍ لك من خليلٍ * كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحبٍ أو طالبٍ قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الأمر إلى الجليل * وكل حيٍ سالك السبيل

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/192‏)‏

فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى حفظتها وفهمت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها، ولزمت السكوت، وعلمت أن البلاء قد نزل‏.‏

وأما عمتي فقامت حاسرة حتى انتهت إليه فقالت‏:‏ واثكلاه ‏!‏‏!‏ ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت أمي فاطمة، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي‏.‏

فنظر إليها وقال‏:‏ يا أُخيّة، لا يذهبن حلمك الشيطان‏.‏

فقالت‏:‏ بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله، استقتلت‏؟‏

ولطمت وجهها، وشقت جيبها وخرت مغشياً عليها، فقام إليها فصبّ على وجهها الماء وقال‏:‏ يا أُخيّه اتق الله واصبري وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته، ويميتهم بقهره وعزته، ويعيدهم فيعبدونه وحده، وهو فرد وحده‏.‏

واعلمي أن أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة‏.‏

ثم حرج عليها أن لا تفعل شيئاً من هذا بعد مهلكه، ثم أخذ بيدها فردّها إلى عندي‏.‏

ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يدنوا بيوتهم بعضاً من بعض حتى تدخل الأطناب بعضها في بعض، وأن لا يجعلوا للعدو مخلصاً إليهم إلا من جهة واحدة، وتكون البيوت عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن ورائهم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق