إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1270 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏ وروى محمد بن سيرين، وأخته حفصة، عن أنس‏.‏


1270
 
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

 ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏

وروى محمد بن سيرين، وأخته حفصة، عن أنس‏.‏

قال‏:‏ كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين، فجعل يقول بقضيب في أنفه ويقول‏:‏ ما رأيت مثل هذا حسناً‏.‏

فقلت له‏:‏ إنه كان من أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال سفيان‏:‏ قلت لعبيد الله بن أبي زياد‏:‏ رأيت الحسين‏؟‏

قال‏:‏ نعم، أسود الرأس واللحية، إلا شعرات ههنا في مقدم لحيته، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، أولم يكن شاب منه غير ذلك ‏؟‏‏.‏

وقال ابن جريج‏:‏ سمعت عمر بن عطاء قال‏:‏ رأيت الحسين بن علي يصبغ بالوشمة، أما هو فكان ابن ستين سنة، وكان رأسه ولحيته شديدي السواد‏.‏

فأما الحديث الذي روي من طريقين ضعيفين أن فاطمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض الموت أن يَنْحَل ولديها شيئاً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فله جُرأتي وجودي‏)‏‏)‏ فليس بصحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب المعتبرة‏.‏

وقد أدرك الحسين من حياة النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين أو نحوها، وروى عنه أحاديث‏.‏

وقال مسلم بن الحجاج‏:‏ له رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد روى صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه أنه قال في الحسن بن علي‏:‏ إنه تابعي ثقة، وهذا غريب فلأن يقول في الحسين إنه تابعي بطريق الأولى‏.‏

وسنذكر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمهما به، وما كان يظهر من محبتهما والحنو عليهما‏.‏

والمقصود‏:‏ أن الحسين عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه إلى أن توفي وهو عنه راضٍ، ولكنه كان صغيراً‏.‏

ثم كان الصديق يكرمه ويعظمه، وكذلك عمر وعثمان، وصحب أباه وروى عنه، وكان معه في مغازيه كلها، في الجمل وصفين، وكان معظماً موقراً، ولم يزل في طاعة أبيه حتى قتل‏.‏

فلما آلت الخلافة إلى أخيه وأراد أن يصالح شق ذلك عليه ولم يسدد رأي أخيه في ذلك، بل حثّه على قتل أهل الشام‏.‏

فقال له أخوه‏:‏ والله لقد هممت أن أسجنك في بيتٍ وأطبق عليك بابه حتى أفرغ من هذا الشأن ثم أخرجك‏.‏

فلما رأى الحسين ذلك سكت وسلم، فلما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما معاوية إكراماً زائداً، ويقول لهما‏:‏ مرحباً وأهلاً، ويعطيهما عطاء جزيلاً‏.‏

وقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال‏:‏ خذاها وأنا ابن هند، والله لا يعطيكماها أحد قبلي ولا بعدي‏.‏

فقال الحسين‏:‏ والله لن تعطي أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلاً أفضل منا‏.‏

ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه، وقد كان في الجيش الذين غزوا القسطنطينية مع ابن معاوية يزيد، في سنة إحدى وخمسين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/162‏)‏

ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية كان الحسين ممن امتنع من مبايعته، هو وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر، وابن عباس، ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك‏.‏

فلما مات معاوية سنة ستين وبويع ليزيد، بايع ابن عمر وابن عباس، وصمم على المخالفة الحسين وابن الزبير، وخرجا من المدينة فارين إلى مكة فأقاما بها، فعكف الناس على الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه ويجلسون حواليه، ويستمعون كلامه، حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد‏.‏

وأما ابن الزبير فإنه لزم مصلاه عند الكعبة، وجعل يتردد في غبون ذلك إلى الحسين في جملة الناس، ولا يمكنه أن يتحرك بشيء مما في نفسه مع وجود الحسين، لما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إياه عليه‏.‏

غير أنه قد تعينت السرايا والبعوث إلى مكة بسببه، ولكن أظفره الله بهم كما تقدم آنفاً، فانقشعت السرايا عن مكة مفلولين وانتصر عبد الله بن الزبير على من أراد هلاكه من اليزيديين‏.‏

وضرب أخاه عمراً وسجنه واقتص منه وأهانه، وعظم شأن ابن الزبير عند ذلك ببلاد الحجاز، واشتهر أمره وبُعد صيته، ومع هذا كله ليس هو معظماً عند الناس مثل الحسين‏.‏

بل الناس إنما ميلهم إلى الحسين لأنه السيد الكبير، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس على وجه الأرض يومئذٍ أحد يساميه ولا يساويه، ولكن الدولة اليزيدية كانت كلها تناوئه‏.‏

وقد كثر ورود الكتب عليه من بلاد العراق يدعونه إليهم - وذلك حين بلغهم موت معاوية وولاية يزيد، ومصير الحسين إلى مكة فراراً من بيعة يزيد - فكان أول من قدم عليه عبد الله بن سبع الهمذاني، وعبد الله بن والٍ معمها كتاب فيه السلام والتهنئة بموت معاوية‏.‏

فقدما على الحسين لعشر مضين من رمضان من هذه السنة، ثم بعثوا بعدهما نفراً منهم‏:‏ قيس بن مسهر الضدائي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكوا الأرحبي، وعمارة بن عبد الله السلولي، ومعهم نحو من مائة وخمسين كتاباً إلى الحسين‏.‏

ثم بعثوا هانئ بن هانئ السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي ومعهما كتاب فيه الاستعجال في السير إليهم، وكتب إليه شبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث و يزيد بن رويم، وعمرو بن حجاج الزبيدي، ومحمد بن عمر بن يحيى التميمي‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/163‏)‏

أما بعد‏:‏ فقد أخضرت الجنان، وأينعت الثمار، ولطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة والسلام عليك‏.‏

فاجتمعت الرسل كلها بكتبها عند الحسين، وجعلوا يستحثونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضاً عن يزيد بن معاوية، ويذكرون في كتبهم أنهم فرحوا بموت معاوية، وينالون منه ويتكلمون في دولته، وأنهم لم يبايعوا أحداً إلى الآن، وأنهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدموك عليهم‏.‏

فعند ذلك بعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى العراق، ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فإن كان متحتماً وأمراً حازماً محكماً، بعث إليه ليركب في أهله وذويه، ويأتي الكوفة ليظفر بمن يعاديه‏.‏

وكتب معه كتاباً إلى أهل العراق بذلك، فلما سار مسلم من مكة اجتاز بالمدينة فأخذ منها دليلين فسارا به على براري مهجورة المسالك‏.‏

فكان أحد الدليلين منهما أول هالك، وذلك من شدة العطش، وقد أضلوا الطريق فهلك الدليل الواحد بمكان يقال له‏:‏ المضيق، من بطن خبيت، فتطير به مسلم بن عقيل، فتلبث مسلم على ما هنالك ومات الدليل الآخر‏.‏

فكتب إلى الحسين يستشيره في أمره، فكتب إليه يعزم عليه أن يدخل العراق، وأن يجتمع بأهل الكوفة ليستعلم أمرهم ويستخبر خبرهم‏.‏

فلما دخل الكوفة نزل على رجل يقال له‏:‏ مسلم بن عوسجة الأسدي‏.‏

وقيل‏:‏ نزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي فالله أعلم‏.‏

فتسامع أهل الكوفة بقدومه، فجاؤوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفاً، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً‏.‏

فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها فقد تمهدت له البيعة والأمور، فتجهز الحسين من مكة قاصداً الكوفة كما سنذكره‏.‏

وانتشر خبرهم حتى بلغ أمير الكوفة النعمان بن بشير خّبره رجل بذلك، فجعل يضرب عن ذلك صفحاً ولا يعبأ به، ولكنه خطب الناس ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسنة‏.‏

وقال‏:‏ إني لا أقاتل من لا يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب عليّ، ولا آخذكم بالظنة، ولكن والله الذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته‏.‏

فقام إليه رجل يقال له‏:‏ عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي‏.‏

فقال له‏:‏ إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشمة، وإن الذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين‏.‏

فقال له النعمان‏:‏ لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إليّ من أن أكون من الأقوياء الأعزين في معصية الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/164‏)‏

ثم نزل فكتب ذلك الرجل إلى يزيد يعلمه بذلك، وكتب إلى يزيد عمارة بن عقبة، وعمرو بن سعد بن أبي وقاص، فبعث يزيد فعزل النعمان عن الكوفة وضمها إلى عبيد الله بن زياد مع البصرة، وذلك بإشارة سرجون مولى يزيد بن معاوية، وكان يزيد يستشيره‏.‏

فقال سرجون‏:‏ أكنت قابلاً من معاوية ما أشار به لو كان حياً‏؟‏

قال‏:‏ نعم ‏!‏

قال‏:‏ فاقبل مني فإنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد، فوله إياها‏.‏

وكان يزيد يبغض عبيد الله بن زياد، وكان يريد أن يعزله عن البصرة، فولاه البصرة والكوفة معاً لما يريده الله به وبغيره‏.‏

ثم كتب يزيد إلى ابن زياد‏:‏ إذا قدمت الكوفة فاطلب مسلم بن عقيل، فإن قدرت عليه فاقتله أو انفه، وبعث الكتاب مع العهد مع مسلم بن عمرو الباهلي، فسار ابن زياد من البصرة إلى الكوفة‏.‏

فلما دخلها متلثماً بعمامة سوداء، فجعل لا يمر بملأ من الناس إلا قال‏:‏ سلام عليكم‏.‏

فيقولون‏:‏ وعليكم السلام مرحباً بابن رسول الله - يظنون أنه الحسين وقد كانوا ينتظرون قدومه - وتكاثر الناس عليه، ودخلها في سبعة عشر راكباً‏.‏

فقال لهم مسلم بن عمرو‏:‏ من جهة يزيد، تأخروا، هذا الأمير عبيد الله بن زياد، فلما علموا ذلك علتهم كآبة وحزن شديد، فتحقق عبيد الله الخبر، ونزل قصر الإمارة من الكوفة‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق