1263
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن
ثم هول البرزخ إلى يوم القيامة، فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى.
ثم نزل وبعث البريد إلى يزيد بن معاوية يعلمه ويستحثه على المجيء.
ولا خلاف أنه توفي بدمشق في رجب سنة ستين.
فقال جماعة: ليلة الخميس للنصف من رجب سنة ستين.
وقيل: ليلة الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين.
قاله ابن إسحاق وغير واحد.
وقيل: لأربع خلت من رجب، قاله الليث.
وقال سعد بن إبراهيم: لمستهل رجب.
قال محمد بن إسحاق والشافعي: صلى عليه ابنه يزيد، وقد ورد من غير وجه أنه أوصى إليه أن يكفن في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كساه إياه، وكان مُدَّخراً عنده لهذا اليوم، وأن يجعل ما عنده من شعره وقلامة أظفاره في فمه وأنفه وعينيه وأذنيه.
وقال آخرون: بل كان ابنه يزيد غائباً فصلى عليه الضحاك بن قيس بعد صلاة الظهر بمسجد دمشق، ثم دفن فقيل: بدار الإمارة وهي الخضراء.
(ج/ص: 8/153)
وقيل: بمقابر باب الصغير، وعليه الجمهور فالله أعلم.
وكان عمره إذ ذاك ثمانياً وسبعين سنة.
وقيل: جاوز الثمانين وهو الأشهر والله أعلم.
ثم ركب الضحاك بن قيس في جيش وخرج ليتلقى يزيد بن معاوية - وكان يزيد بحوارين - فلما وصلوا إلى ثنية العُقاب تلقتهم أثقال يزيد، وإذا يزيد راكب على بختي وعليه الحزن ظاهر، فسلم عليه الناس بالإمارة وعزوه في أبيه، وهو يخفض صوته في رده عليهم، والناس صامتون لا يتكلم معه إلا الضحاك بن قيس.
فانتهى إلى باب توما، فظن الناس أنه يدخل منه إلى المدينة، فأجازه مع السور حتى انتهى إلى الباب الشرقي، فقيل: يدخل منه لأنه باب خالد، فجازه حتى أتى الباب الصغير فعرف الناس أنه قاصد قبر أبيه.
فلما وصل إلى باب الصغير ترجل عند القبر ثم دخل فصلى على أبيه بعد ما دفن ثم انفتل، فلما خرج من المقبرة أتى بمراكب الخلافة فركب.
ثم دخل البلد وأمر فنودي في الناس إن الصلاة جامعة، ودخل الخضراء فاغتسل ولبس ثياباً حسنة ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير المؤمنين.
فقال: بعد حمد الله والثناء عليه: أيها الناس ! إن معاوية كان عبداً من عبيد الله، أنعم الله عليه ثم قبضه إليه، وهو خير ممن بعده ودون من قبله، ولا أزكيه على الله عزّ وجلّ فإنه أعلم به، إن عفى عنه فبرحمته، وإن عاقبه فبذنبه.
وقد وليت الأمر من بعده، ولستُ آسى على طلب، ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئاً كان.
وقال لهم في خطبته هذه: وإن معاوية كان يغزيكم في البحر، وإني لست حاملاً أحداً من المسلمين في البحر، وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتياً أحداً بأرض الروم، وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثاً وأنا أجمعه لكم كله.
قال: فافترق الناس عنه وهم لا يفضلون عليه أحداً.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: بعث معاوية وهو مريض إلى ابنه يزيد، فلما جاءه البريد ركب وهو يقول:
جاء البريد بقرطاس يخب به * فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم * قال الخليفة أمسى مثقلاً وجعاً
فمادت الأرض أو كادت تميد بنا * كأن أغبر من أركانها انقلعا
(ج/ص: 8/154)
ثم انبعثنا إلى خوص مضمرة * نرمي الفجاج بها ما نأتلي سرعاً
فما نبالي إذا بلغن أرجلنا * ما مات منهن بالمرمات أو طلعا
لما انتهينا وباب الدار منصفق * بصوت رملة ريع القلب فانصدعا
من لا تزل نفسه توفي على شرف * توشك مقاليد تلك النفس أن تقعا
أودى ابن هند وأودى المجد يتبعه * كأنا جميعاً خليطاً سالمين معاً
أغر أبلج يستسقى الغمام به * لو قارع الناس عن أحلامهم قرعا
لا يرقع الناس ما أوهى وإن جهدوا * أن يرقعوه ولا يوهون ما رقعا
وقال الشافعي: سرق يزيد هذين البيتين من الأعشى، ثم ذكر أنه دخل قبل موت أبيه دمشق وأنه أوصى إليه، وهذا قد قاله ابن إسحاق وغير واحد.
ولكن الجمهور على أن يزيد لم يدخل دمشق إلا بعد موت أبيه، وأنه صلى على قبره بالناس كما قدمناه والله أعلم.
وقال أبو الورد العنبري يرثي معاوية رضي الله عنه:
ألا أنعى معاوية بن حربٍ * نعاة الحل للشهر الحرام
نعاه الناعيات بكل فجٍ * خواضع في الأزمة كالسهام
فهاتيك النجوم وهن خرسٌ * ينحن على معاوية الهمام
وقال أيمن بن خريم يرثيه أيضاً:
رمى الحدثان نسوة آل حربٍ * بمقدارٍ سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضاً * ورد وجوههن البيض سودا
فإنك لو شهدت بكاء هندٍ * ورملة إذ يصفقن الخدودا
بكيت بكاء معولةٍ قريحٍ * أصاب الدهر واحدها الفريدا
(ج/ص: 8/155)
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق