إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2015

1262 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن


1262
  
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن

وقال محمد بن سعد‏:‏ أنبأنا علي بن محمد، عن محمد بن الحكم، عمن حدثه أن معاوية لما احتضر أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال - كأنه أراد أن يطيب له - لأن عمر بن الخطاب قاسم عماله‏.‏

وذكروا‏:‏ أنه في آخر عمره اشتد به البرد فكان إذا لبس أو تغطى بشيء ثقيل يغمه، فاتخذ له ثوباً من حواصل الطير، ثم ثقل عليه بعد ذلك‏.‏

فقال‏:‏ تباً لك من دار، ملكتك أربعين سنة، عشرين أميراً، وعشرين خليفة، ثم هذا حالي فيك، ومصيري منك، تباً للدنيا ولمحبيها‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ أنبأنا أبو عبيدة، عن أبي يعقوب الثقفي، عن عبد الملك بن عمير‏.‏

قال‏:‏ لما ثقل معاوية وتحدث الناس بموته قال لأهله‏:‏ احشوا عيني إثمداً، وأوسعوا رأسي دهناً، ففعلوا وغرقوا وجهه بالدهن، ثم مهد له مجلس وقال‏:‏ أسندوني‏.‏

ثم قال‏:‏ إيذنوا للناس فليسلموا عليّ قياماً ولا يجلس أحد، فجعل الرجل يدخل فيسلم قائماً فيراه مكتحلاً متدهناً فيقول متقول الناس‏:‏ إن أمير المؤمنين لما به وهو أصح الناس‏.‏

فلما خرجوا من عنده، قال معاوية في ذلك‏:‏

وتجلدي للشامتين أريهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع

وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع

قال‏:‏ وكان به النقابة - يعني‏:‏ لوقة - فمات من يومه ذلك رحمه الله‏.‏

وقال موسى بن عقبة‏:‏ لما نزل بمعاوية الموت قال‏:‏ يا ليتني كنت رجلاً من قريش بذي طوى، ولم ألِ من هذا الأمر شيئاً‏.‏

وقال أبو السائب المخزومي‏:‏ لما حضرت معاوية الوفاة تمثل بقول الشاعر‏:‏

إن تناقش يكن نقاشك يا رب * عذاباً لا طوق لي بالعذاب

أو تجاوز تجاوز العفو واصفح * عن مسيءٍ ذنوبه كالتراب

وقال بعضهم‏:‏ لما احتضر معاوية جعل أهله يقلبونه‏.‏

فقال لهم‏:‏ أي شيخ تقلبون‏؟‏ إن نجاه الله من عذاب النار غداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/152‏)‏

وقال محمد بن سيرين‏:‏ جعل معاوية لما احتضر يضع خداً على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكي ويقول‏:‏ اللهم إنك قلت في كتابك‏:‏ ‏{‏اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 48‏]‏ اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له‏.‏

وقال العتبي عن أبيه‏:‏ تمثل معاوية عند موته بقول بعضهم وهو في السياق‏:‏

هو الموت لا منجا من الموت والذي * نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع

ثم قال‏:‏ اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس لذي خطيئة من خطيئته مهرب إلا إليك‏.‏

ورواه ابن دريد‏:‏ عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، عن أبي عمرو بن العلاء فذكر مثله، وزاد‏:‏ ثم مات‏.‏

وقال غيره‏:‏ أغمي عليه ثم أفاق فقال لأهله‏:‏ اتقوا الله فإن الله تعالى يقي من اتقاه، ولا يقي من لا يتقي، ثم مات رحمه الله‏.‏

وقد روى أبو مخنف‏:‏ عن عبد الله بن نوفل‏.‏

قال‏:‏ لما مات معاوية صعد الضحاك بن قيس المنبر فخطب الناس - وأكفانُ معاوية على يديه -

فقال بعد حمد الله والثناء عليه‏:‏ إن معاوية الذي كان سُور العرب وعونهم وجدهم، قطع الله به الفتنة، وملكه على العباد، وفتح به البلاد، إلا إنه قد مات وهذه أكفانه، فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ومخلون بينه وبين عمله‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق