1247
البداية والنهاية ( ابن كثير ) الجزء الثامن
وهذه ترجمة معاوية وذكر شيء من أيامه وما ورد في مناقبه وفضائله
وهو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، القرشي الأموي، أبو عبد الرحمن، خال المؤمنين، وكاتب وحي رسول رب العالمين.
وأمه: هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
أسلم معاوية عام الفتح، ورُوي عنه أنه قال: أسلمت يوم القضية، ولكن كتمت إسلامي من أبي، ثم علم بذلك فقال لي: هذا أخوك يزيد وهو خير منك على دين قومه، فقلت له: لم آلَ نفسي جهداً.
قال معاوية: ولقد دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء وإني لمصدق به، ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامي فجئته فرحب بي، وكتبت بين يديه.
قال الواقدي: وشهد معه حنيناً، وأعطاه مائة من الإبل، وأربعين أوقية من ذهب، وزنها بلال، وشهد اليمامة.
وزعم بعضهم أنه هو الذي قتل مسيلمة، حكاه ابن عساكر، وقد يكون له شرك في قتله، وإنما الذي طعنه وحشي، وجلله أبو دجانة سماك بن خرشة بالسيف.
وكان أبوه من سادات قريش، وتفرد بالسؤدد بعد يوم بدر، ثم لما أسلم حسن بعد ذلك إسلامه، وكان له مواقف شريفة، وآثار محمودة في يوم اليرموك وما قبله وما بعده.
(ج/ص: 8/126)
وصحب معاوية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب الوحي بين يديه مع الكتّاب، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في (الصحيحين) وغيرهما من السنن والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: كان معاوية طويلاً، أبيض، جميلاً، إذا ضحك انقلبت شفته العليا، وكان يخضب.
حدثني محمد بن يزيد الأزدي، ثنا أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، عن أبي عبد رب قال: رأيت معاوية يصفر لحيته كأنها الذهب.
وقال غيره: كان أبيض طويلاً، أجلح أبيض الرأس واللحية، يخضبهما بالحناء والكتم.
وقد أصابته لوقة في آخر عمره، فكان يستر وجهه ويقول: رحم الله عبداً دعا لي بالعافية، فقد رميت في أحسني وما يبدو مني ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي.
وكان حليماً وقوراً رئيساً سيداً في الناس، كريماً عادلاً شهماً.
وقال المدائني عن صالح بن كيسان قال: رأى بعض متفرسي العرب معاوية وهو صبي صغير، فقال: إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه.
فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه.
وقال الشافعي: قال أبو هريرة: رأيت هنداً بمكة كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب، فمر رجل فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاماً إن عاش ليسودن قومه.
فقالت هند: إن لم يسد إلا قومه فأماته الله، وهو معاوية بن أبي سفيان.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف قال: نظر أبو سفيان يوماً إلى معاوية وهو غلام فقال لهند: إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه.
فقالت هند: قومه فقط، ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة.
وكانت هند تحمله وهو صغير وتقول:
إنّ بني معرقٍ كريمٌ * محببٌ في أهله حليم
ليس بفاحشٍ ولا لئيمٌ * ولا ضجورٌ ولا سؤوم
صخر بني فهرٍ به زعيمٌ * لا يخلف الظن ولا يخيم
قال: فلما ولى عمر يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام، خرج إليه معاوية فقال أبو سفيان لهند: كيف رأيت صار ابنك تابعاً لابني؟
فقالت: إن اضطربت خيل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني.
فلما مات يزيد بن أبي سفيان سنة بضع عشرة، وجاء البريد إلى عمر بموته، رد عمر البريد إلى الشام بولاية معاوية مكان أخيه يزيد، ثم عزّى أبا سفيان في ابنه يزيد.
فقال: يا أمير المؤمنين من وليت مكانه؟
قال: أخوه معاوية.
قال: وصلت رحماً يا أمير المؤمنين.
وقالت هند لمعاوية فيما كتبت به إليه: والله يا بني إنه قل أن تلد حرة مثلك، وإن هذا الرجل قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت.
وقال له أبوه: يا بني إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله، وقصر بنا تأخيرنا فصاروا قادة وسادة، وصرنا أتباعاً، وقد ولوك جسيماً من أمورهم فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس فإن بلغته أورثته عقبك.
فلم يزل معاوية نائباً على الشام في الدولة العمرية والعثمانية مدة خلافة عثمان. (ج/ص: 8/127)
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق