إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 2 مايو 2014

548 تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة الفصل السابع: موقف أمير المؤمنين علي من الخوارج والشيعة المبحث الأول : الخوارج ثالثًا: انحياز الخوارج إلى حروراء ومناظرة ابن عباس لهم


548

تاريخ الخلفاء الراشدين (4)سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ? شخصيته وعصره دراسة شاملة

الفصل السابع: موقف أمير المؤمنين علي من الخوارج والشيعة

المبحث الأول : الخوارج

ثالثًا: انحياز الخوارج إلى حروراء ومناظرة ابن عباس لهم

انفصل الخوارج في جماعة كبيرة من جيش علي رضي الله عنه أثناء عودته من صفين إلى الكوفة, قدر عددها في رواية ببضعة عشر ألفًا, وحدد في رواية باثني عشر ألفًا( ), وفي رواية بثمانية آلاف( ), وفي رواية بأنهم أربعة عشر ألفًا( ), كما ذكر أنهم عشرون ألفًا( ), وهذه الرواية التي تذكر أنهم عشرون ألفًا, قد جاءت بدون إسناد( ), وقد انفصل هؤلاء عن الجيش قبل أن يصلوا إلى الكوفة بمراحل, وقد أقلق هذا التفرق أصحاب علي وهالهم, وسار عليّ بمن بقي من جيشه على طاعته حتى دخل الكوفة, وانشغل أمير المؤمنين بأمر الخوارج خصوصًا بعد ما بلغه تنظيم جماعتهم من تعيين أمير للصلاة وآخر للقتال, وأن البيعة لله عز وجل, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, مما يعني انفصالهم فعليًا عن جماعة المسلمين.
وكان أمير المؤمنين عليّ حريصًا على إرجاعهم إلى جماعة المسلمين, فأرسل ابن عباس إليهم لمناظرتهم, وهذا ابن عباس يروي لنا الحادثة, فيقول:.... فخرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن, وترجلت, ودخلت عليهم في دار في نصف النهار, وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا, فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس, ما هذه الحلة؟, قال: ما تعيبون عليّ؟, لقد رأيت على رسول الله × أحسن ما يكون من الحلل, ونزلت: +قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ" [الأعراف:32] قالوا: فما جاء بك؟, قال: قد أتيتكم من عند صحابة النبي × من المهاجرين والأنصار, من عند ابن عم النبي × وصهره وعليهم نزل القرآن, فهم أعلم بتأويله منكم, وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون, وأبلغهم ما تقولون, فانتحى لي نفر منهم, قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله × وابن عمه, قالوا: ثلاث, قلت: ما  هن؟ قالوا: أما إحداهن: فإنه حكم الرجال في أمر الله, وقال الله: +إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ" ما شأن الرجال والحكم؟, قلت: هذه واحدة, وأما الثانية فإنه قاتل ولم يَسب ولم يغنم, فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيهم, ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيهم ولا قتلهم, قلت: هذه اثنتان فما الثالثة؟, قالوا: محا نفسه من أمير المؤمنين, فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين, قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟, قالوا: حسبنا هذا, قلت لهم: أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه × ما يرد قولكم أترجعون؟, قالوا: نعم, قلت: أما قولكم: حكم الرجال في أمر الله, فإني أقرأ عليكم من كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم, فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه, أرأيتم قول الله تبارك وتعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنْكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ" [المائدة:95], وكان من حكم الرجال, أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين, وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ قالوا: بلى, بل هذا أفضل, قلت: وفي المرأة وزوجها +وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا" [النساء:35], فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة, أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم, قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم, أفتسبون أمكم عائشة, تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟, فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم, وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم +النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" [الأحزاب:6], فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرج, أفخرجت من هذه؟ قالوا: نعم, فقال: وأما محا نفسه من أمير المؤمنين, فأنا آتيكم بما تضرون, إن نبي الله × يوم الحديبية صالح المشركين, فقال لعلي: «اكتب يا علي ما صالح عليه محمد رسول الله», قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك, فقال رسول الله ×: «امح يا علي, اللهم إنك تعلم أني رسول الله, امح يا علي واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله», والله لرسول الله خير من علي, وقد محا نفسه, ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة, أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم, فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم, فقاتلوا على ضلالتهم, قتلهم المهاجرون والأنصار( ).

ويمكننا أن نستخرج من مناظرة ابن عباس للخوارج مجموعة من الدروس والعبر والحكم منها:

1- حسن الاختيار لمن سوف يقوم بالمناظرة مع الخصم: فقد اختار أمير المؤمنين علي ابن عمه عبد الله بن عباس, وهو حبر الأمة وترجمان القرآن؛ لأن القوم كانوا يعرفون بالقراء ويعتمدون في الاستدلال على معتقدهم بالقرآن, لذا كان أولى الناس بمناظرتهم من هو أدرى الناس بالقرآن وبتأويله, ويمكن القول بأن ابن عباس رضي الله عنه هو صاحب الاختصاص في هذه المناظرة, لما يتحلى به من إخلاص النية لله, واجتناب الهوى, والتحلي بالحلم والصبر, والتريث والترفق بالخصم, وحسن الاستماع لكل الخصوم, وتجنب المماراة, ووضوح الحجة وقوة الدليل.

2- الابتداء مع الخصم من نقاط الاتفاق: فقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وخصومه من الخوارج متفقين على الأخذ من كتاب الله وسنة نبيه محمد × وكذلك كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه × ما يرد قولكم أترجعون؟, ومع هذا فإن عبد الله بن عباس رضي الله عنه يستوثق منهم قبل بداية المناظرة.

3- معرفة ما عند الخصم من الحجج واستقصاؤها: والاستعداد لها قبل بداية المناظرة, ونتوقع أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه علم بحججهم قبل مناظرتهم, وقرر لأصحابه كيفية الرد عليها.
4- تفنيد مزاعم الخصم واحدة تلو الأخرى: حتى لا يبقى لهم حجة كما يتضح من كلام ابن عباس رضي الله عنهما في مناظرته لهم كلما فرغ من تفنيد حجة قال: أخرجت من هذه؟.

5- التقديم للمناظرة بما يخدم نتيجتها لصالح الحق: فإن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال في بداية الأمر وقبل المناظرة: أتيتكم من عند أصحاب النبي × وصهره وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم, وليس فيكم أحد منهم( ).

6- إظهار احترام رأي الخصم أثناء المناظرة: ليكون أدعى لسماع كل ما عنده, وأن يحمله على احترام رأيه, وهذا ما ظهر من مناظرة ابن عباس للخوارج( ),

7- وقد وفق الله عز وجل الآلاف من هؤلاء: إذ بلغ عدد من شهد معركة النهروان منهم أقل من أربعة آلاف –كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى- وذلك عندما عرفوا الحق, وزالت عنهم الشبهة بفضل الله, ثم بسبب ما أوتيه ابن عباس رضي الله عنهما من علم وقوة وحُجة وبيان, إذ وضح لهم بطلان ما احتجوا به, بتفسير الآيات التي تأولوها التفسير الصحيح, وبالسُنة النبوية المشرفة والتي توضح معاني القرآن الكريم( ).

8- قول ابن عباس رضي الله عنهما: وليس فيكم منهم أحد: ( ) هذا نص صريح من ابن عباس في كون الخوارج لا يوجد فيهم أحد من أصحاب رسول الله ×, ولم يعترض عليه أحد من الخوراج, والرواية صحيحة وثابتة, كما أنه لا يوجد أحد من علماء أهل السنة –على حد علمي- قال: إن الخوارج كان فيهم بعض أصحاب رسول الله ×, وأما الزعم أن الخوارج كان فيهم بعض الصحابة فذلك عند المذهب الخارجي, وليس لهم دليل علمي موثوق به على قولهم.

9- تحديد المرجعية: في قول ابن عباس رضي الله عنهما: أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسُنة نبيه × ما يرد قولكم أترجعون؟, قالوا: نعم.
ففي كلام ابن عباس هذا درس مهم, ألا وهو تحديد المرجعية للمتناظرين حتى يمكن الوصول إلى نتيجة صحيحة من خلال المناظرة.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق